وقف داندان
وسط المقهى، جال ببصره في أرجائها يتفحص الجدران والوجوه. كان يفكر في الطريقة
التي سيحل بها أزرار سرواله ، ليؤكد لخصمه رجولته. إنه رجل . عنده ما عند كل
الرجال وزيادة. قال صاحب الطربوش الأحمر : سيفعلها السفيه. قالت صاحبة الوجه المستدير:
إن فعلتها لن تلج هذا المكان طيلة حياتك إن بقيت على قيد الحياة. هز صاحب "السبسي"
علبة الثقاب في وجهه، وصرخ: إن فعلتها، سأقطع أيرك قطعا صغيرة، وأطعمها لك. أشاح
داندان بوجهه جهة النافذة. كانت مجموعة من نساء "الموقف"، يراقبن المشهد
من خلف الزجاج في شوق. لا شغل لهن إلا لوك القيل والقال. سحب الرجل قدميه بتثاقل
وهو يفكر في شيئه الذي سيتحول إلى قطع منفرة، لا يملك حتى أسنانا لمضغها. اتجه إلى
صاحب "السبسي". أشار إليه أن يملأ له "شقفا". نهره الرجل .
طلب منه أن يسوي من وضع سرواله، واشترط عليه دفع ثمن براد شاي منعنع في جلسة على
الحصير. انصرفت النسوة بعد أن يئسن من رؤية رجولة داندان. قالت إحداهن: لو كان
رجلا لفعلها. قالت أخرى: داندان رجل، لقد
رأيته يتبول على السور. قالت بائعة الأطباق: الكلاب وحدها تتبول على الجدران. لو
كان رجلا لأرانا ...قالت إحداهن، وهي تضع كفها على فمها: آويلي حشمي آلـ... طلب
داندان براد شائ مجمر بالنعناع، وجلس القرفصاء على الحصير. إلتحق به صاحب السبسي.
ملأ له شقفا. أمسك داندان بالسبسي، أشعل محتواه بإصبعي اليد نفسها التي يمسكه بها ليظهر براعته. نفث دخان الكيف في الهواء.
انتشى ، وقذف بالجمرة نحو حفرة وسط المقهى كأنه لاعب "كَولف" محترف.
تشف. سقطت الجمرة وسط الحفرة المبللة وانطفأت. تشف. ابن الزانية. لو كنت رجلا بحق
لكنت "فرعته" لأريه معنى الرجولة. أنا رجل ونصف. لولا الرجال لأريته
رجولتي. إنه لا يعرف حق الرجال. تجمعت النسوة مرة أخرى أمام النافذة، يراقبن ، بعد
سماعهن لصوت داندان. مده صاحبه بالكيف، عبأ "شقفا" آخر. أوقد محتواه
بالطريقة نفسها، ونفث الدخان في الهواء. تنهد. "آحِّي على رجال اليوم".نظر
جهة النافذة. رأى تلك التي رأته يفعل ذلك الشيء على السور. ابتسم. ابتسمت. غمز لها
بعينه الحولاء.احمرت وجنتاها ، وأشاحت بوجهها تخفي ابتسامة ماكرة. رجل ونصف. لولا
هذه الوجوه لأريته رجولتي. رأى ، فيما يرى من تسربت إلى رأسه بعض الدوخة ، أنها
تطلب منه أن يريهم رجولته. قالت : هيت لك. ورأى نفسه ، وسط سحابة الدخان ، رجلا
ونصف. قال هذه فرصة العمر. سيجعل الحي كله؛ رجاله ونساءه، يشهد على رجولته. رأى
نفسه وإياها وسط حقل شعير تكاد سنابله الناضجة الصفراء، تتجاوز المناكب. لا أحد
يراقبهما ، غير تلك الأتان التي ألف حدوها إلى عطفة قصية من الوادي. هذه أنثى وتلك
أنثى، ووحده الرجل ، بل رجل ونصف ، ولم لا رجلان في واحد. والرجل أمام أنثيين،
وثالثهما نصف رجل، بل رجل . أو هو كل ما في الرجل. تسارعت دقات قلبه. صهد الظهيرة
يرفع من حرارة جسده. ظل ناظرا إلى الأنثيين. انحدرت على جبينه بعض حبيبات العرق.
إزداد العرق. ازدادت حرارة جسمه، وازدادت معهما دقات قلبه. نظرت الأنثى الآدمية في
عيني الأنثى العجماء، فرأت بريقا لامعا يدعوهما إلى الغواية، همت العجماء
بالآدمية، وهمت الآدمية بالعجماء، وهم بهما داندان، وهمتا به. قذف داندان بالسبسي
إلى سقف المقهى، أمام دهشة الجميع واستغرابهم، اتجه إلى الحفرة التي كانت تنزل
فيها جمرات الكيف قبل قليل ،وقف قبالة النافذة. حل أزرار سرواله ، وتركه يهوي فوق قدميه. أنظر يا ابن الزانية. داندان
رجل ونصف. أنظر أولد...وفي لحظة ما، لم يدر فيها؛ أهو في الحلم أم في اليقظة ، انثالت عليه العصي والقناني والكراسي. المقهى كله
انقلب على رأسه، حتى الذين كانوا في الخارج
، الكل قام بواجبه ، كل وما ملكت يده آن "الحرْكَة" ، ولم يسلم
حتى من أيدي النساء اللائي كن اكتفين بالتفرج إلى حين هوى على الأرض، وخلا لهن
الجو. حتى التي رأته يفعل ذلك على السور. حتى أنت ألـ...
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق