الثلاثاء، 25 مارس 2014

مهارات كتابة إنشاء أدبي  في اللغة العربية للسنة الثانية باكلوريا آداب وعلوم إنسانية
---------------------------
 مدخل:
      تسعى هذه المحاولة إلى تجميع مهارات كتابة الإنشاء الأدبي في اللغة العربية للسنة الثانية باكلوريا، من خلال تحديد خطوات مكون التعبير والإنشاء كما هو مسطر في برنامج هذه المادة لهذا المستوى، لأنه الأساس والهدف من كل مكوناتها الأخرى (النصوص والدرس اللغوي) التي تسعى إلى خدمته، وتوظيفها، من جهة، واعتماد نماذج لامتحانات سابقة أو نصوص مختارة، من جهة ثانية، وتحليلها بتوضيح عناصر الإجابة، وتحرير نماذج مقترحة بغاية الاستئناس ليس إلا، لأن كل موضوع أو نص يفرض تعاملا خاصا  انطلاقا مما يقدمه. وتجدر الإشارة إلى أهمية تجنب اعتماد النماذج الجاهزة، والأساليب والعبارات المسكوكة.
1-  مهارات مكون التعبير والإنشاء  في السنة الثانية باكلوريا آداب وعلوم إنسانية:
     تتكون حصص التعبير والإنشاء، طيلة السنة الدراسية، لهذا المستوى من أربع وعشرين حصة، بمعدل ست حصص لكل مهارة من المهارات الأربع على النحو الآتي:
1-1-      مهارة كتابة إنشاء أدبي حول نص شعري: حصتان لأنشطة الاكتساب، وحصتان لأنشطة التطبيق، وحصة لأنشطة الإنتاج، وحصة أخيرة لأنشطة التقويم.
1-2-      مهارة كتابة إنشاء أدبي حول قضية أدبية: الحصص نفسها.
1-3-      مهارة كتابة إنشاء أدبي حول نص نثري إبداعي: الحصص نفسها.
1-4-      مهارة كتابة إنشاء أدبي حول قضية أو قولة نقدية: الحصص نفسها.


2-        الخطوات العامة لكتابة إنشاء أدبي:
أ‌-       التأطير: وتتضمن هذه الخطوة؛ وضع النص في سياقه الأدبي العام، وملاحظة عتباته (العنوان، والمؤلف، والمصدر والبداية أو النهاية إن أمكن)، وافتراض موضوعه.
ب‌- التفكيك والتحليل: تفكيك مكونات النص الدلالية والفنية وتحليلها، إذا تعلق الأمر بنص شعري أو إبداع نثري (القصة والمسرحية)، أو الدلالية والمنهجية، إذا تعلق الأمر بقضية أدبية أو قضية نقدية.
ت‌-  تجميع وتركيب: تجميع المنجز السابق وتركيبه في خلاصة مركزة، وتذييلها بتعليق أو رأي خاص.
وكل ذلك وفق التصميم المعروف في الكتابة الإنشائية : مقدمة، وعرض، وخاتمة.
3-        الخطوات الخاصة بكل مهارة:
3-1-      مهارة كتابة إنشاء أدبي حول نص شعري:
     قسم الشعر العربي الحديث، وفق برنامج وزارة التربية الوطنية، في هذا المستوى، على مجزوءتين: المجزوءة الأولى، خاصة بـالشعر العربي الحديث: من إحياء النموذج إلى سؤال الذات، أي تتضمن محورين؛ الأول خاص بإلبعث وإحياء النموذج، والثاني خاص بسؤال الذات أو الرومانسية العربية. والمجزوءة الثانية ؛ تكسير البنية وتجديد الرؤية؛ الأول خصص له المحور الأول، والثاني المحور الثاني.
    وبسبب هذا التقسيم، فإن كل تيار شعري أو محور، يقتضي تعاملا خاصا به؛ سواء تعلق الأمر بالتأطير أم بالتحليل، لاختلاف السياق الأدبي، والبنيات الدلالية و الفنية، وللتطور والتجديد اللذين عرفهما الشعر العربي الحديث من نهاية القرن التاسع عشر إلى حدود النصف الثاني من القرن العشرين . لهذا سيتم الحديث عن الخطوات الخاصة بكل محور رغم ما يمكن أن يلاحظ من تكرار أحيانا، وفي الإعادة إفادة كما يقولون. مع الإشارة إلى بعض الأسماء أو الشعراء، لأنه أحيانا يكفي معرفة الشاعر لتعرف التيار الذي ينتمي إليه، والخطوط العامة للاتجاه. وأي إغفال لهذا الجانب، وبخاصة في التأطير يمكن أن يؤدي إلى الخروج عن الموضوع.

أ‌-         إحياء النموذج :
      ويسمى أيضا تيار البعث والإحياء، أو الكلاسيكية العربية،  أو التيار الكلاسيكي، أو التقليدي في الشعر العربي الحديث. ومن أبرز الشعراء الذين مثلوا هذا الاتجاه: محمود سامي البارودي، وأحمد شوقي وحافظ إبراهيم في مصر، ومعروف الرصافي، ومحمد مهدي الجواهري ، وجميل صدقي الزهاوي في العراق،وإبراهيم اليازجي، وخليل اليازجي، وأمين نخلة في لبنان، ومحمد بوشريبة، وعبد الرزاق كرباكة ومصطفى خريف في تونس، ومحمد غريط، ومحمد بوجندار، ومحمد السليماني، ومحمد القري، ومحمد بن إبراهيم، والمختار السوسي، وعبد الله كنون، ومحمد الحلوي، وعلال الفاسي في المغرب، وغيرهم في كل الأقطار العربية.
    وأهم الأسس التي قام عليها البعث والإحياء هي:
-         استلهام التقاليد الفنية للقصيدة العربية في أوج عصور ازدهار الأدب العربي (الشعر الجاهلي، والأموي والعباسي والأندلسي) هذه التقاليد التي تتجلى في البناء العمودي التقليدي (القديم)، واللغة (جزالة اللفظ، ومتانة الأسلوب..)، والأغراض (المدح، والرثاء، والهجاء، ووصف الطبيعة، والغزل...)، والمعاني، والصورة الشعرية،  والإيقاع (وحدة الوزن والقافية والروي).
-         تطويع النموذج التقليدي ليستجيب لروح العصر ؛ حيث عبر الشعراء عن قضايا عصرهم من خلال الشكل العمودي التقليدي .
-         ومن أهم مظاهر التأثر بالشعراء القدامى انتشار المعارضات.
      فإذا كان النص المراد تحليله أو كتابة موضوع إنشائي حوله ينتمي إلى هذا الاتجاه، فيمكن اقتراح ما يأتي:
     التأطير:
     - السياق الأدبي العام والخاص؛ ويمكن في هذا الباب الإشارة إلى انتكاس الشعر العربي وتخلفه وضعفه خلال عصر الانحطاط. ومن سمات هذا الانحطاط؛ الإفراط في الصنعة والتكلف، والتقليد الضعيف للقدامى...، ثم دور شعراء البعث والإحياء، وأهم مظاهر هذا البعث، كما سبقت الإشارة أعلاه، وبعض ممثلي هذا الاتجاه....
    - ملاحظة العتبات: العنوان؛ والمصدر والشاعر، ومن خلالهم يمكن تعرف الاتجاه أيضا، ويمكن الإشارة إلى البيت الأول أو الأخير.  ففي القصيدة العربية التقليدية يتم التزام التصريع. ومن العتبات يمكن معرفة الغرض الشعري أيضا، فتتم الإشارة إليه .
    التفكيك والتحليل:
    وفي هذا الباب أو المرحلة أو الخطوة، يجمل مقاربة ما يأتي:
-         الموضوع الرئيس للقصيدة أو الغرض الشعري.(الفخر..المدح..الرثاء...)، والموضوعات الفرعية.
-         الوحدات الدلالية  أو موضوعات القصيدة الفرعية؛ وينبغي الإشارة إلى بداية كل وحدة ونهايتها، ووضع عنوان مناسب لها . مثال: الوحدة الأولى؛ وتبتدئ من البيت الأول إلى البيت الثالث أو غيره، ويمكن وسمها بالعنوان الآتي:"..."...إلخ.
-         المعجم، وتقسيمه بحسب الحقول الدلالية السائدة: يقسم معجم النص بحسب الحقول المهيمنة إلى حقلين في الأغلب، وتستخرج بعض ألفاظ كل حقل لتوضع في جدول مناسب، وتحدد العلاقة بينهما. مثال:
    
المعجم الدال على الفخر (مثلا)
أم الحقل الدلالي الدال على الفخر أو غيره
المعجم الدال على الاعتزاز بالنفس (مثلا)
      إلخ بحسب القصيدة.
ألفاظ تنتمي لهذا المعجم
 ألفاظ تنتمي لهذا المعجم
   والعلاقة التي تربط بين الحقلين المعجميين...
-         الصورة الشعرية: سيادة الصورة الشعرية التقليدية، حيث تمثل بواسطة؛ التشبيه (استخراج أمثلة)، والاستعارة (أمثلة)، والكناية إن وجدت...
-         الإيقاع: أ- الإيقاع الخارجي: تقطيع بيت وتعرف وزنه (البحر)،أو الإشارة إلى البحر فقط وتفاعيله وما حدث فيها من تغييرات إن أمكن. ثم القافية ونوعها،  والروي، والتصريع، والتدوير إن وجد.
             ب-الإيقاع الداخلي: التكرار – التوازي (استخراج أمثلة من النص)
ثم الإشارة إلى الوظائف؛ أي وظيفة الصور الشعرية أعلاه ووظيفة الإيقاع الخارجي والداخلي...
     تركيب:
          تلخيص ما سبق والتعليق عليه، وملاحظة مدى تمثيلية القصيدة، انطلاقا من التحليل، للاتجاه الشعري الذي تنتمي إليه، ومظاهر تحققه.
نموذج
    النص: (القصيدة مأخوذة من كتاب "الممتاز في اللغة العربية للسنة الثانية باكلوريا"، ص22)
          قال محمود سامي البارودي بعد وصوله إلى جزيرة "سرنديب"، وقد رأى ابنته في المنام:
                                         سوف يبين الحق
1-    تأوَّب طيف من "سميرة" زائـــــرُ          وما الطيف إلا ما تريه الخواطــــر
2-    تمثلها الذكرى لعيني، كأننــــــــــي         إليها على بعد من الأرض ناظـــــر
3-    فطورا أخالُ الظن حقا، وتـــــــارة          أهيم فتغشى مقلتيَّ السَّمـــــــــــادِرُ
4-    فيا بعد ما بيني وبين أحبتـــــــــــي          ويا قرب ما الْتَفَّـتْ عليه الضمائـر
5-    ولولا أماني النفسِ وهْيَ حياتـــهــا           لما طار لي فوق البسيطةِ طائـــرُ
6-    صبرتُ على كُرْهٍ لِما قد أصابنـــي          ومن لم يجد مَنْدوحَةً فهْوَ صابــــر
7-    إذا المرءُ لم يركن إلى الله في الـذي          يحاذرُهُ من دهره فهو خاســـــــــر
8-    وإن هو لم يصبر على ما أصابـــه           فليس له في معرض الحق ناصــر
9-    ومن لم يذق حلو الزمان ومــــــره           فما هو إلا طائش اللبِّ نافــــــــــر
10  - فلولا العلا ما أرسل السهم نـازع           ولا شهر السيفَ اليمانيَّ شاهـــــرُ
11   ملكت عُقابَ الملك وهْ كسيـــــــرة           وغادرتها في وكرها ومهي طائــر
12   ولو رمت ما رام امرؤ بخيانــــــة           لَصَبَّحَنِي قِسْطُ من المال غامــــــر
13  ولكن أبت نفسي الكريمة ســـــــوأةً           تعاب بها ، والدهر فيه المعايِـــــرُ
14  فلا تحسبنَّ المالَ ينفع ربَّــــــــــــــهُ          إذا هو لم تحمد قِراهُ العشائـــــــــر
15  فقد يستجم المال والمجد غائــــــــب          وقد لا يكون المال والمجد حاضـر
16  أنا المرء لا يثنيه عن درك العــــــلا         نعيم، ولا تعدو عليه المفاقـــــــــــر
17  قؤولٌ وأحلام الردال عـــــــــــوازب         صؤول وأفواه المنايا فواغــــــــــر
18  فلا أنا إن أدناني الوجد باســــــــــــم          ولا أنا إن أقصاني العُدْمُ باسِـــــــر
19  فما الفقر إن لم يدنس العِرْضُ فاضحٌ          ولا المال إن لم يَشْرُفِ المرءُ ساترُ
20  فإن كنت قد أصبحت فَللأَّ رَزِيَّـــــــةٍ           تقاسمها في الأهل باد وحاضــــــر
21  فكم بطل فَلَّ الزمان شَبَاتَــــــــــــــــهُ           وكم سيد دارت عليه الدوائـــــــــر
22  وأي حسام لم تصبه كَلالــــــــــــــــةٌ           وأي جواد لم تخنه الحوافــــــــــر؟
23  فسوف يبين الحق يوما لناظــــــــــــر          وتنزو بعوراءِ الحَقودِ السرائــــــر
24  وما هي إلا غمرة ، ثم تنجلــــــــــــي          غَيابَتُها ، والله من شاء ناصــــــــر

المطلب/ الأسئلة : أكتب موضوعا إنشائيا متكاملا تحلل فيه هذه  القصيدة مستعينا بما  يأتي:
-          تأطير النص ضمن سياقه الثقافي والأدبي
-          تلخيص المعاني الواردة في النص
-          تحديد الحقول الدلالية والمعجم المرتبط بها
-          رصد الخصائص الفنية للقصيدة
-          تركيب خلاصة تبين فيها مدى تمثيلية النص للاتجاه الذي يمنتمي إليه.
 تأطير النص: (يمكن استعمال المسودة)
-         سياق النص الأدبي:  ما دام الشاعر محمود سامي البارودي معروفا بانتمائه إلى تيار البعث والإحياء، فيمكن البدء بالتعريف بهذا التيار
= في أواخر القرن التاسع عشر، قامت حركة شعرية تصحيحية في العالم العربي، غيرة على ما أصاب الأدب العربي بعامة، والشعر بخاصة، من  ركود خلال عصر الانحطاط الذي امتد من سقوط الخلافة ببغداد إلى الحملة الفرنسية على مصر، يمكن إجمال أهم سماته في؛ تراجع المستوى الفني للشعر، والاهتمام بالزخرفة، والإفراط في الصنعة والتكلف. عملت هذه الحركة على بعث وإحياء النماذج الشعرية التي عرفت في أوج عصور الازدهار، في الشعر الجاهلي والأموي والعباسي والأندلسي، وتميزت عموما بإحياء عمود الشعر العربي، واستلهام التقاليد الفنية والقيم العربية القديمة، والموضوعات المطروقة، وتطويعها للتعبير عن قضايا العصر.
     ويمثل محمود سامي البارودي، أحد الشعراء البارزين في هذا التيار، كما يتضح من خلال قصيدة "سوف يبين الحق"، التي نظمها في منفاه بجزيرة "سرنديب". فما موضوع هذه القصيدة ؟ وهل يصح القول بأنها تمثل نموذجا من نماذج البعث والإحياء من حيث الموضوعات واللغة والصورة الشعرية والبناء الفني؟  
-         عتبات النص: - العنوان: بماذا يوحي العنوان؟
                -المناسبة التي قيلت فيها القصيدة.
                -افتراض موضوع القصيدة انطلاقا من العنوان وبعض الأبيات؛ بيت أو بيتين،إن أمكن، ومن خلال المناسبة أيضا.
      = إن الجمع بين ما يوحي به عنوان النص، وبعض الأبيات، من مثل البيت السادس والبيت الثاني عشر والبيت الواحد والعشرين، على سبيل التمثيل، يدفع إلى القول بأن الشاعر يعبر عن معاناته في المنفى، وما أصابه من أعدائه من ظلم، ولم يمنعه ذلك من الاعتزاز بنفسه والافتخار ببطولته وصبره إلى أن ينجلي المصاب، كما تؤكد أبيات أخرى، ما يجعل القصيدة متعددة الأغراض، كما كان الأمر عند القدامى، رغم أن الغرض المفترض - وهو المهيمن- هو الفخر، كما عهدناه عند شعراء أمثال المتنبي بصفة خاصة.
التفكيك والتحليل:
-         المضامين: - موضوع القصيدة الأساس أو الغرض، والموضوعات الفرعية الأخرى.
             - تقسيم النص إلى وحدات دلالية
              - المعجم المهيمن في النص.
     = يستهل الشاعر قصيدته بمقدمة وجدانية يتحدث فيها عن حضور طيف ابنته "سميرة"، التي يراها بوضوح رغم البعد، وكأنه ينظر إليها عيانا حتى أنه كان، أحيانا، يظن هذا الطيف حقيقة، لكنه يؤوب إلى وحدته بعد أن تصيب عينيه غشاوة، ويمتد هذا الاستهلال على مدى الأبيات الثلاثة الأولى، لينتقل بعدها إلى التأسف على بعده عن أحبته، وصبره على ما أصابه، والحث على الركون إلى الله عز وجل في النائبات، لأن المرء لابد أن يعرف في حياته المر والحلو، ومن لم يفعل كان ناقص التجربة، ويختم ذلك، في البيت العاشر، بحكمة تتردد كثيرا في الشعر القديم، مفادها أن من أراد العلا لا مفر له من مواجهة الصعوبات (السهم والسيف).  ثم ينتقل في البيت الحادي عشر إلى الحديث عما كان يعيش فيه من نعيم، وما كان قد أصابه من ملك وجاه، لكنه غادره لأن نفسه أبت عليه خيانة مبادئه ووطنه وأمته، ولو فعل لأصاب من المال الكثير، فالمال لا ينفع إذا لم يقترن بالذكر الحسن والمجد. وينتقل في البيت السادس عشر للافتخار بنفسه، وذكر أخلاقه وتشبثه بالقيم العربية الأصيلة، إلى البيت الثاني والعشرين حيث يختمه بما يبين إيمانه بالقدر، بالقول بأن لكل سيف كلالة ولكل جواد كبوة. ويختم القصيدة في البيتين الثالث والعشرين والرابع والعشرين بأمله معزيا نفسه بأن الحق لابد أن يظهر يوما، فما هي إلا ظلمة لن تنفك أن تنجلي.
     وبناء على ما سبق يمكن تقسيم القصيدة إلى  خمس وحدات بحسب موضوعاتها وأغراضها، نجملها في الآتي:
     الوحدة الأولى: من البيت الأول إلى البيت الثالث، يمكن أن تعنون بـ: "طيف سميرة.
     الوحدة الثانية: من البيت الرابع إلى البيت العاشر: صبر الشاعر أمام المصائب
    الوحدة الثالثة: من البيت الحادي عشر إلى البيت الخامس عشر:  رفض الشاعر للخيانة، وتمسكه بمروءته وكرامته.
    الوحدة الرابعة: من البيت السادس عشر إلى البيت الثاني والعشرين: افتخار الشاعر  بنفسه وباخلقه وعزيمته.
    الوحدة الخامسة والأخيرة: ما حدث للشاعر لا يعدو كونه شدة مآلها الزوال.
    وبتعدد أغراض القصيدة، تتنوع حقولها المعجمية، ويمكن التمييز بين حقلين مهيمنين، هما الفراق والمعاناة، والفخر والاعتزاز بالنفس، كما يبين الجدول الآتي:
معجم المعاناة والفراق
معجم الفخر والاعتزاز بالنفس
الذكرى- بعد – أهيم – تغشاني مقلتي – فيا بعد – أحبتي- صبرت- كره- أصابني...
العلا- ملكت عقاب الملك-أبت نفسي الكريمة سوأة- المجد- أنا المرء لا يثنيه عن درك العلا...
  
  ويتضح أن العلاقة بين الحقلين تحكمهما رابطة خفية تحيل على بعض القيم الأخلاقية العربية التي كانت سائدة  في بعض الفترات التاريخية، أو ترتبط ببعض الشعراء خاصة أمثال المتنبي وغيره؛ فرغم معاناة الشاعر في المنفى فإن نفسه تبقى أبية على الانكسار والتذلل بغاية الفوز بالمال أو بالنجاة، ولو أراد أن يفعل ذلك لما منعه مانع ولكن أخلاقه وإيمانه بالقدر يأبيان عليه ذلك.
- البنية الفنية:
- الصورة الشعرية (المستوى البلاغي والنحوي والتركيبي).
     أما على المستوى الفني، وبخاصة الصورة الشعرية، فإنها تقوم عنده على المكونات التقليدية كالتشبيه ومن امثلته ما جاء في البيت التاسع، حيث يشبه من لم يذق المرارة والحلاوة في الحياة كطائش العقل أي غير الناضج، والاستعارة ومن أمثلتها ما جاء في البيت الحادي عشر، حيث يستعير للملك أي الوزارة التي كان قد كلف بها بالعقاب أو الطائر الجارح الذي يصعب التحكم فيه، ولكنه طاوعه وأحسن التصرف وروضه وجعله كسيرا، وترشح القصيدة بهذا النوع من التصوير الذي يعتمد فيه الشاعر على ما هو واقعي وحسي متتبعا في ذلك طريقة الأقدمين.

- الإيقاع: أ- الإيقاع الخارجي- الإيقاع الداخلي.
       أما على مستوى الإيقاع الخارجي، فإن الشاعر اعتمد في نظمه القصيدة البحر الطويل كما يبين تقطيع البيت الأول المصرع على النحو الآتي:
               تأوب طيف من سميرة زائــر         وما الطيف إلا ما تريه الخواطر
              فعول/مفاعيلن/ فعول/ مفاعلن          فعولن/ مفاعيلن/ فعولن/ مفاعلن
ويُسْـتَـنْـتَجُ من خلال الملاحظة المباشرة أن الزحاف الذي أصاب حشو البيت هو حذف الخامس الساكن أي القبض في الشطر الأول، وودت العروض وضربها مقبوضين أيضا في سائر أبيات القصيدة، وهو المعمول به في البحر الطويل بعامة الذي غالبا ما يرتبط استعماله ببعض الأغراض وبخاصة الفخر والمدح، كما كان الأمر شائعا عند القدامى، لفخامته وقوته. بالإضافة إلى الالتزام بوحدتي؛ الروي وهو هنا "الراء"، والقافية وهي هنا مطلقة بإشباع حركة الروي، متداركة لوجود متحركين بين الساكن الأخير والذي قبله (/0//0).
    وتضمنت القصيدة بعض مظاهر من الإيقاع الداخلي، منها :
أ‌-       التكرار: ومنه التكرار اللفظي كما في البيت الأول بتكرار لفظة "الطيف" و"طيف" في الشطرين، والبيت السادس، وتكرار بنية الكلمة في البيت السابع عشر أو الصيغة الصرفية "فعول = قؤول، صؤول"، والتكرار الدلالي كما في البيت التاسع (الطباق: الحلو / المر)، وغيره كثير. 
ب‌- التوازي؛ ومنه التوازي  التركيبي التام ومن أمثلته البيت الثاني والعشرين:
الشطر الأول
وأي
حسام
لم
تصبه
كلالة
الشطر الثاني
وأي
جواد
لم
تخنه
الحوافر


حرف + حرف
اسم
جازم
فعل
اسم(فاعل)

والتوازي غير التام كما في البيت :
الشطر الأول
فـــــــيــا    بعد      ما
بيني وبين أحبتي
الشطر الثاني
و  يـــــا     قرب   ما
التفت عليه الضمائر
     
       ولعل هذا التوظيف المتنوع للإيقاع الداخلي منح القصيدة بالإضافة إلى الإيقاع الخارجي، جمالية موسيقية وظيفية ساعد على تعميق الإحساس بمعاناة الشاعر في منفاه وبعده عن أسرته، وفي الوقت نفسه التأكيد على القيم الأخلاقية العربية الأصيلة، من اعتزاز بالنفس، وكرم الأخلاف، والتمرد على الاستبداد وعدم تقبل الخيانة.
   - التركيب:
        تركيب خلاصة واستنتاج وتذييلهما بالرأي الخاص، وربط القصيدة بتجربة المبدع والتيار الذي تمثله.
      = إن المستنتج مما سبق، كون قصيدة "سوف يبين الحق" لمحمود سامي البارودي، الشاعر المصري الذي يعتبر من رواد حركة البعث والإحياء، تصور لحظة من لحظات معاناته في المنفى بجزيرة "سرنديب" حيث كان قد نفي بعد مشاركته في الثورة العرابية، وهو يتذكر أهله وأحبته، ويستحضر طيف ابنته وفلذة كبده، فلا يجد إلا الصبر والإيمان بالقدر ملجأ يلجأ إليهما، واسترجاعه للحظات مجده حين كان بالوزارة، وكيف انقلب به الزمان من مجد إلى أرذل المنفى. ومع ذلك لم يستسلم لأعدائه ولم يخن مبادئه وأمته ووطنه، بل تشبث بعزة نفسه وكرامتها مفضلا المنفى والمجد على المال.
      وقد نظم قصيدته هذه على النظام التقليدي للقصيدة العربية، مبنى ومعنى؛ فعلى مستوى المضامين اتسمت بتعدد الأغراض والموضوعات، وعلى مستوى الشكل التزم بعمود الشعر العربي؛ الذي يتجلى في الوزن، إذ نظم القصيدة على إحدى بحور الخليل وهو الطويل، الذي يناسب مثل هذه الموضوعات، والتزم بوحدتي القافية والروي. وبذلك نستطيع القول إن القصيدة تمثل نموذجا من نماذج إحياء النموذج التقليدي للشعر العربي الذي عرفت به حركة البعث والإحياء.

   
نموذج مقترح (تجميع ما سبق):
     في أواخر القرن التاسع عشر، قامت حركة شعرية تصحيحية في العالم العربي، غيرة على ما أصاب الأدب العربي بعامة، والشعر بخاصة، من  ركود خلال عصر الانحطاط الذي امتد من سقوط الخلافة ببغداد إلى الحملة الفرنسية على مصر، يمكن إجمال أهم سماته في؛ تراجع المستوى الفني للشعر، والاهتمام بالزخرفة، والإفراط في الصنعة والتكلف. عملت هذه الحركة على بعث وإحياء النماذج الشعرية التي عرفت في أوج عصور الازدهار، في الشعر الجاهلي والأموي والعباسي والأندلسي، وتميزت عموما بإحياء عمود الشعر العربي، واستلهام التقاليد الفنية والقيم العربية القديمة، والموضوعات المطروقة، وتطويعها للتعبير عن قضايا العصر.
     ويمثل محمود سامي البارودي، أحد أهم الشعراء البارزين في هذا التيار، كما يتضح من خلال قصيدة "سوف يبين الحق"، التي نظمها في منفاه بجزيرة "سرنديب". فما موضوع هذه القصيدة ؟ وهل يصح القول بأنها تمثل نموذجا من نماذج البعث والإحياء من حيث الموضوعات، واللغة، والصورة الشعرية، والبناء الفني؟  
     إن الجمع بين ما يوحي به عنوان النص وبعض الأبيات، من مثل البيت السادس والبيت الثاني عشر والبيت الواحد والعشرين، على سبيل التمثيل، يدفع إلى القول بأن الشاعر يعبر عن معاناته في المنفى، وما أصابه من أعدائه من ظلم، ولم يمنعه ذلك من الاعتزاز بنفسه والافتخار ببطولته وصبره إلى أن ينجلي المصاب، كما تؤكد أبيات أخرى، ما يجعل القصيدة متعددة الأغراض، كما كان الأمر عند القدامى، رغم أن الغرض المفترض - وهو المهيمن- هو الفخر، كما عُـهِـدَ عند شعراء أمثال المتنبي بصفة خاصة.
     يستهل الشاعر قصيدته بمقدمة وجدانية يتحدث فيها عن حضور طيف ابنته "سميرة"، التي يراها بوضوح رغم البعد، وكأنه ينظر إليها عيانا حتى أنه كان، أحيانا، يظن هذا الطيف حقيقة، لكنه يؤوب إلى وحدته بعد أن تصيب عينيه غشاوة، ويمتد هذا الاستهلال على مدى الأبيات الثلاثة الأولى، لينتقل بعدها إلى التأسف على بعده عن أحبته، وصبره على ما أصابه، والحث على الركون إلى الله عز وجل في النائبات، لأن المرء لابد أن يعرف في حياته المر والحلو، ومن لم يفعل كان ناقص التجربة، ويختم ذلك، في البيت العاشر، بحكمة تتردد كثيرا في الشعر القديم، مفادها أن من أراد العلا لا مفر له من مواجهة الصعوبات (السهم والسيف).  ثم ينتقل في البيت الحادي عشر إلى الحديث عما كان يعيش فيه من نعيم، وما كان قد أصابه من ملك وجاه، لكنه غادره لأن نفسه أبت عليه خيانة مبادئه ووطنه وأمته، ولو فعل لأصاب من المال الكثير، فالمال لا ينفع إذا لم يقترن بالذكر الحسن والمجد. وينتقل في البيت السادس عشر للافتخار بنفسه، وذكر أخلاقه وتشبثه بالقيم العربية الأصيلة، إلى البيت الثاني والعشرين حيث يختمه بما يبين إيمانه بالقدر، بالقول بأن لكل سيف كلالة ولكل جواد كبوة. ويختم القصيدة في البيتين الثالث والعشرين والرابع والعشرين بأمله معزيا نفسه بأن الحق لابد أن يظهر يوما، فما هي إلا ظلمة لن تنفك أن تنجلي.
     وبناء على ما سبق يمكن تقسيم القصيدة إلى  خمس وحدات بحسب موضوعاتها وأغراضها، نجملها في الآتي:
     الوحدة الأولى: من البيت الأول إلى البيت الثالث، يمكن أن تعنون بـ: "طيف سميرة.
     الوحدة الثانية: من البيت الرابع إلى البيت العاشر: صبر الشاعر أمام المصائب
    الوحدة الثالثة: من البيت الحادي عشر إلى البيت الخامس عشر:  رفض الشاعر للخيانة، وتمسكه بمروءته وكرامته.
    الوحدة الرابعة: من البيت السادس عشر إلى البيت الثاني والعشرين: افتخار الشاعر  بنفسه وباخلقه وعزيمته.
    الوحدة الخامسة والأخيرة: ما حدث للشاعر لا يعدو كونه شدة مآلها الزوال.
    وبتعدد أغراض القصيدة، تتنوع حقولها المعجمية، ويمكن التمييز بين حقلين مهيمنين، هما الفراق والمعاناة، والفخر والاعتزاز بالنفس، كما يبين الجدول الآتي:


معجم المعاناة والفراق
معجم الفخر والاعتزاز بالنفس
الذكرى- بعد – أهيم – تغشاني مقلتي – فيا بعد – أحبتي- صبرت- كره- أصابني...
العلا- ملكت عقاب الملك-أبت نفسي الكريمة سوأة- المجد- أنا المرء لا يثنيه عن درك العلا...

       ويتضح أن العلاقة بين الحقلين تحكمهما رابطة خفية تحيل على بعض القيم الأخلاقية العربية التي كانت سائدة  في بعض الفترات التاريخية، أو ترتبط ببعض الشعراء؛ فرغم معاناة الشاعر في المنفى فإن نفسه تبقى أبية عن الانكسار والتذلل بغاية الفوز بالمال أو بالنجاة، ولو أراد أن يفعل ذلك لما منعه مانع، ولكن أخلاقه وإيمانه بالقدر يأبيان عليه ذلك.
    أما على المستوى الفني، وبخاصة الصورة الشعرية، فإنها تقوم عنده على المكونات التقليدية كالتشبيه ومن أمثلته ما جاء في البيت التاسع، حيث يشبه من لم يذق المرارة والحلاوة في الحياة كطائش العقل أي غير الناضج، والاستعارة ومن أمثلتها ما جاء في البيت الحادي عشر، حيث يستعير للملك أي الوزارة التي كان قد كلف بها بالعقاب أو الطائر الجارح الذي يصعب التحكم فيه، ولكنه طاوعه وأحسن التصرف وروضه وجعله كسيرا، وترشح القصيدة بهذا النوع من التصوير الذي يعتمد فيه الشاعر على ما هو واقعي وحسي متتبعا في ذلك طريقة الأقدمين.
     أما على مستوى الإيقاع الخارجي، فإن الشاعر اعتمد في نظم قصيدته البحر الطويل كما يبين تقطيع البيت الأول المصرع على النحو الآتي:
               تأوب طيف من سميرة زائــر         وما الطيف إلا ما تريه الخواطر
              فعول/مفاعيلن/ فعول/ مفاعلن          فعولن/ مفاعيلن/ فعولن/ مفاعلن
ويُسْـتَـنْـتَجُ من خلال الملاحظة المباشرة أن الزحاف الذي أصاب حشو البيت هو حذف الخامس الساكن أي القبض في الشطر الأول، ووردت العروض وضربها مقبوضين أيضا في سائر أبيات القصيدة، وهو المعمول به في البحر الطويل بعامة الذي غالبا ما يرتبط استعماله ببعض الأغراض وبخاصة الفخر والمدح، كما كان الأمر شائعا عند القدامى، لفخامته وقوته. بالإضافة إلى الالتزام بوحدتي؛ الروي وهو هنا "الراء"، والقافية وهي هنا مطلقة بإشباع حركة الروي، ومتداركة لوجود متحركين بين الساكن الأخير والذي قبله (/0//0).
    وتضمنت القصيدة بعض مظاهر من الإيقاع الداخلي، منها :
أ‌-       التكرار: ومنه التكرار اللفظي كما في البيت الأول بتكرار لفظة "الطيف" و"طيف" في الشطرين، والبيت السادس، وتكرار بنية الكلمة في البيت السابع عشر أو الصيغة الصرفية "فعول = قؤول، صؤول"، والتكرار الدلالي كما في البيت التاسع (الطباق: الحلو / المر)، وغيره كثير. 
ب‌- التوازي؛ ومنه التوازي  التركيبي التام ومن أمثلته البيت الثاني والعشرين:
الشطر الأول
وأي
حسام
لم
تصبه
كلالة
الشطر الثاني
وأي
جواد
لم
تخنه
الحوافر


حرف + حرف
اسم
جازم
فعل
اسم(فاعل)

والتوازي غير التام كما في البيت :
الشطر الأول
فـــــــيــا    بعد      ما
بيني وبين أحبتي
الشطر الثاني
و  يـــــا     قرب   ما
التفت عليه الضمائر
     
       ولعل هذا التوظيف المتنوع للإيقاع الداخلي منح القصيدة بالإضافة إلى الإيقاع الخارجي، جمالية موسيقية وظيفية ساعد على تعميق الإحساس بمعاناة الشاعر في منفاه وبعده عن أسرته، وفي الوقت نفسه التأكيد على القيم الأخلاقية العربية الأصيلة، من اعتزاز بالنفس، وكرم الأخلاق، والتمرد على الاستبداد وعدم تقبل الخيانة.
     إن المستنتج مما سبق، كون قصيدة "سوف يبين الحق" لمحمود سامي البارودي، الشاعر المصري الذي يعتبر من رواد حركة البعث والإحياء، تصور لحظة من لحظات معاناته في المنفى بجزيرة "سرنديب" حيث كان قد نفي بعد مشاركته في الثورة العرابية، وهو يتذكر أهله وأحبته، ويستحضر طيف ابنته وفلذة كبده، فلا يجد إلا الصبر والإيمان بالقدر ملجأ يلجأ إليهما، واسترجاعه للحظات مجده حين كان بالوزارة، وكيف انقلب به الزمان من مجد إلى أرذل المنفى. ومع ذلك لم يستسلم لأعدائه ولم يخن مبادئه وأمته ووطنه، بل تشبث بعزة نفسه وكرامتها مفضلا المنفى والمجد على المال.
      وقد نظم قصيدته هذه على النظام التقليدي للقصيدة العربية، مبنى ومعنى؛ فعلى مستوى المضامين اتسمت بتعدد الأغراض والموضوعات، وعلى مستوى الشكل التزم بعمود الشعر العربي؛ الذي يتجلى في الوزن، إذ نظم القصيدة على إحدى بحور الخليل وهو الطويل، الذي يناسب مثل هذه الموضوعات، والتزم بوحدتي القافية والروي. وبذلك نستطيع القول إن القصيدة تمثل نموذجا من نماذج إحياء النموذج التقليدي للشعر العربي الذي عرفت به حركة البعث والإحياء.