الجمعة، 25 أبريل 2014

قصيصات باللغتين: العربية والأمازيغية

كنانيش

1-               مبتدأ صنعة الكناشة:

    عن الوراق الحفيد قال:
روى والدي عن جده قال: هي والكناشة سيان، إنما اختلف الأساطين في الحدود، فهي عند الزيات غيرها عند اللحام، وعند العشاب غيرها عند القصاب وهَلُمَّ. وقد يطلقونها على شوارد الكلم وأمور، إلا أن هذه تنجفل أحيانا، وأحيانا تنشذر، وأحيانا أخرى تنمذر، وذلك لأسباب تغيب وتحضر، وما يعاب منها يلحم بعضُه بعضا ويدحضه تارات. وقد علمنا بالشيوع اشتغال اهلنا، إلى وقتنا، بما لم يتيسر بقدر ما تعسر، ومنه شبهات وتشبيهات واستعارات وترصيعات وتزاويق وتنميقات سرقات، وتحويشات كناشات، تمكنا من تسريبها، وتحبيرها في ما هو آت. كان الله لكم والسلام.

2-               كناش الرجل والأتان:
    جاء في الخبر أن الأمر تبياه، أي تعمده، الرجل حتى ترخ الناس أي حزنوا حزنا شديدا لما عرفوه وقد تاخمهم جواره حتى تَبْتَبَ (شاخ)، وكان قد تأسل فيهم سيرة سلفه المألوس (المختلط عقله).
    تكونت حلقة حول المعقوف على نفسه.
   قال رجل: ما كان عليه، وهو في مثل هذا السن، الاقتراب منها.
    قال آخر: يا قوم..الرجل راود الأتان، فرفسته.
صرخت امرأة: ويحكم أتأكلون لحم أخيكم..إنه حي يتنفس..أنا المداوية كافلة له إن أودعتمونيه.
    وقفت الأتان تنظر وقد أصابتها حبسة وحوشها تحير. خاطبت نفسها قائلة: عاله طائش من عاشركم يا بني آدم. ثم شقت لها مخرما وسط الجمع.

3-               كناش الإنسي الحرون
      قام باكرا  كعادته..لكن هذه المرة وجد صعوبة في التخلص من الغطاء الوثير..ياه! بتثاقل قام..فتح الصوان ، واختار أجمل لباس مما كان معلقا أمامه. أحس وكأن الأمر سار دائما على النحو..أطل من النافذة يتفقد الزريبة..لم يتعجب من كون ذلك الحرون ما زال يلعق قشور البيض في المذود أمامه..مرر المشط على عرفه، ورش على أذنيه بعض النفثات من قارورة العطر، وتمتم: سأبيعه وأتخلص منه. اِتجه إلى الزريبة حاملا عصا قصيرة. فك رباطه..وضع الأدمة على ظهره، وركب تاركا قوائمه الأربعة تتدلى في كل الجهات..لكزه هاشا: هيا تحرك أيها الإنسي الحرون.

4-               كناش الذي نبت له قرن ومشى فوق البحر
   أحس بألم في قحفه. بدأ يحك. فكر: ها البحر وها البر. العين ناظرة والقلب منفطر، لا الظاهر يبدو ظاهرا ولا الباطن يكشف باطني عن آيات. غنما خلقت للأدب كبيات الناذرة، أهفو إلى لقاء قطبي الذي سير الأكوان مفازات، لأن لا حجاب بين الأحباب كما الأحوال.
     اشتد الألم، وشرع يزيد من الحك.  شعر بشيء ينتأ في مقدمة صلعته. خمن وهو يتأمل البحر. خلف البحر تصير لك مطيات، فتبين مسلكك وذر عنك الجمرات.
     توف الألم في رأسه. مسح بيده فاصطدمت بشيء ناتئ صلب.هو بلا أدنى شك قرن. خاطب نفسه: هذه من كرامات الأبدال. لك البحر مطية فاركبه هنيا، ومشى فوق البحر.

                        







بابات الإفك
1-           بابة زوبعة
       أهيف في الشارع قد يتعمج، ويثير زوبعة حر يترقش بالتحنان..
      اِقتحم الحر حصون القر.. زوبع  وازبد، ثم ارعد..
      انسل من قافلة عقود شيخ، عَقد هفا، وعقد سرى، ثم عقد وزان عقد، وجرى شابا يكنس خلف الزوبعة أرذل العمر…

2-            بابة الريح من بيت الجار
      اِستضفت يوما جارا أبغي حسنيين؛ التخلصَ من ديك ما فتئ يسمُنُ ويُطَيِّـرُ عني النوم قبل أن أهجع، وإخمادَ شوق للدَّسَم طال واستطال. وما كان لي سابقُ علم بأن الجار في الأعراض فتاك قوَّالٌ قؤول، وفي وغى الأطباق شمام لمَّام صؤول، ما إن ولج الدار، حتى أطلق كالسلوقيِّ شِباكَ الشم، وانْـشَـدَخ مِنخراه واتسعا يقتنصان نأمة ريح، وانقدحت خياشيمه تنخنخ، وشَدِقَ شَدقاه حتى  صار وكأن له خُمّا مقام فم ، واستلَّ  لسانا كالمِحْرَكِ دَأبُهُ هَيْجَ النار، أو كالمِطْرَحَةِ في يد طراح. فخفت من تضييع الحنسيين وما لا تحمد عقباه، فطفقت أصرخ: أدرك أهلك هذا الريح من بيت الجار. أدرك أهلك هذا الريح من بيت الجار...
3-            بابة أبجد هوز

     أيقضَ صبوته شدو أقبل من قَرَشَتْ تصابيها، ومرح، يا أيَّانَ سُرَّ من رأى! ها الذكرى ترتع في مراعيها.. هيت لك.. همت، وهم، وإذْ بالكف تعانق الخد حراقة براقة. فعرف أن هذه أبْجَدَ حقوقية من دروس جارات السوء. خمن في هَوَّز..
     وقبل أن تصبح، كان قد مسح الدارَ من كل أم حديدة، وانطلق إلى سوق الجمعة[1]...

4-            بابة الصُحبة
     
قال صاحبي: إن وحشة تتثواني  في كل حين، وقد أحكمت علي بتحير لا ينفك ينقدح شهبا حذائي.
     قلت:  أنت بالغ مقامات الشي، وربما كان هذا مستهل تغرب يحل بك، وما أظن منتهاه يهل.
    قال: وما أدراك بحالي؟
     قلت: أحوال الناسوت منها الظاهر ومنها الباطن؛ ظاهرها سقط، وباطنها ممحول بالفيوضات، فذب عن ظاهرك بباطنك.
     قال: قد فعلت.
     قلت: وإن. فلا أراك إلا مطية مسروجة لا راكب مسروج، قد حُشْتَ، والله، من كل مهلكة قددا. لا كان الله لك.
     قال:  ولا كانت لي معك بعد اليوم صحبة.

5-             بابة الشمس ذات العين الواحدة

      بتثاقل عبرت الزقاق، وهي تلتفت يمنة ويسرة، تحاول التخلص من خوف أدمنته منذ وطئت قدماها المدينة. وحين بلغت الطوار المدرج، تسلقته على أربع، وقبل أن تتمكن من الانتصاب على رحبته، أصدرت تنهيدات عميقة، ثم وقفت تنصت للفحيح الصاعد من صدرها، وتسترجع بعض ذكرياتها في مرابع قريتها الفسيحة؛ تمرح بين الوهاد والوديان، وتتسلق المرتفعات، وتنحدر مع المنحدرات، خلف قطيع الماعز؛ تلاحق شارداته فتردعها، وتسابق نزقاته فتسبقها، وتهارش صغاره، وتقارع تيوسه. تأتمر عرائس القصب بأوامرها، وتنز حلمات الضروع بلمسات من أصابعها.
      وضع الولد محفظته على ظهره. استأذن أمه في أن ينتعل حذاء العجلات. حذرته من أخطار الطريق، ثم طبعت على خده قبلة.. انسل  خارجا، يطوي الإسفلت مباعدا ما بين ساقيه.
      رمت المرأة بناظريها إلى رأس الزقاق، حين اخترق سمعها صوت احتكاك، ودعكت عينيها الدامعتين المرمدتين تنشد بعض صفاء الرؤية، فتبينت شبحا يتجه ناحيتها. نتأ في خلدها صورة عنز استوى تيسا بعد لأي، يستعرض فحولته وزان إناث القطيع. خفت آلام داء النقرس في مفاصل أطرافها وظهرها، ورأت نفسها تقف منتصبة متأهبة. وقبل أن يتم جذعها استقامته كاملة، أحست بوهن فضيع يلوي ساقيها ويصيرهما خرقتين باليتين. فقدت توازنها، وهوت في الفراغ.
     وفي لجة دوار باغتها أثناءه، رأت التيس  يشرع قرنيه ويندفع نحوها، ليطوح بها. فرأت والغيبوبة  تزحف على جماعها، الشمس تنظر إليها وتبتسم، ثم تغمز ..ياه! للشمس عين، وعين واحدة، وتعجبت كيف تكون للشمس عين واحدة.
     






فصول الصبا

1-  فصل وردة حلم

   بمناسبة عيد الأم، رغبت فاطمة أن تقدم لأمها وردة...كان الفصل شتاء، ولم يكن بالحي بائع ورد.. بحثت في حديقة الحي، فلم تجد غير الأوراق اليابسة تتلاعب بها الرياح..حزنت كثيرا. وفي نومها، رأت بأن العصفور الذي يرسو على شرفة حجرتها كل صباح يزقزق، قد أحضر لها وردة جميلة تفوح منها رائحة زكية...في الصباح، ما إن رأتها أمها تستيقظ من نومها، حتى أسرعت تطبع على خدها قبلة حارة، قائلة: أنظري إنها جميلة مثلك. نظرت فإ1ا بوردة الحلم ترقد على سرير الأم.
2-   فصل الفـــــــــــــــــخ
   
نصبا الفخ معا، وكمنا خلف جذع شجرة يتربصان..
    من أعلى الشجرة رأى العصفور الطعم؛ دودة سمينة تزحف.. قرقرت أمعاؤه، وانتفضت جناحاه..
    لمحاه يقارت..يقترب..وإذ بالغبار يتطاير يغيبه..لما وصلا، كان ما زال يتخبط في يأس. قال أحدهما أنا صاحبه، أنا نصبت الفخ. قال الآخر: بل أنا صاحبه. وشرعا يتخاصمان..صرخ العصفور: بل أنا الغبي الذي وقعت فيه...التقت نظراتهما. ثم..ثم..أطلقا ساقيهما ىالريح...  




نتا أنتاثْ

   اسْواميسْ ثبْذا اتْمونْ أكثمْشُومينْ اني أثْبَدَّلْ أخَّـسْ.. إجْ انهارْ يناسْ؛ واللهْ غَرْما اٍّسَّقْسِيغْ:
     أنِّيغَامْ ! منيبضانْ إضَناضْ خنهارُ؟
      ثزلي أخسْ أغَمْبوبْ انس. ثَوْثَا لَعْوِينْ أَمَلْعَوْذا سِسْبيبْ انسْ، ثَرْزَمْدْ إشَا البهوثْ، ورسينغ منيني مني توغا يغْضَسْ.
     ثناس: أنهارُ نَمْقودَّا.. ثخسذْ؛ ضَارِينُو خُضَارْ انَّكْ، أزْيَنْ إنو أزين أنك. لاَلاَشْ ثَسَّوَالْ أكِذَك ! وَرْثَخْسَذْ ها ثاوُّورْثْ، أيْرَوْ احَلْوَاشْ انك، ثكسيذ أوذار انك.



[1] - سوق المستعملات.
مناهج المستشرقين في فهرسة التراث العربي الإسلامي
(نموذج "تاريخ الأدب العربي" لكارل بروكلمان)
                                                                   عبد الواحد عرجوني

      حظيت الدراسات الاستشراقية، وأعمال المستشرقين، التي غطت معظم الإنتاج الفكري والأدبي العربي الإسلامي، بالإضافة إلى القرآن الكريم والسنة النبوية والسيرة، باهتمام الدارسين العرب إلى درجة يصعب معها حصر كل ما كتب حول الظاهرة، بدرجة الصعوبة نفسها التي واجهت هؤلاء في محاولاتهم حصر تلك الإسهامات، التي غدت، كما يذكر الدكتور علي بن إبراهيم النملة في مؤلفه:"إسهامات المستشرقين في نشر التراث العربي الإسلامي" "من مصادر المعلومات عن الإسلام والمسلمين"، والتي حصرها (الإسهامات) في خمسة مجالات، هي؛ البحث عن المخطوطات والرحلة إليها وجمعها ونقلها، وفهرستها وتوثيقها وضبطها "وراقيا" أي "بيبليوغرافيا"، والتحقيق، والدراسة، والترجمة.
     واختلفت دوافع هذا الاهتمام،  باختلاف الأشخاص والغايات، بدءا بالأسباب التي لم تخل، في مستهلها، من أهداف دينية وحضارية وثقافية، تنضح بها المفاهيم (الشرق والاستشراق)، ثم استعمارية، فعلمية أخيرا.  
      وتجنبا للدخول في متاهات الأسئلة والإشكالات التي أثارتها الظاهرة، عند المهتمين من الجانب العربي الإسلامي، تخص بدايتها، والمناهج التي اتبعها المستشرقون، ومواقفهم، منصفة كانت أم غير منصفة، والأهداف والخلفيات التي صدروا عنها، تجدر الإشارة إلى إثارة الانتباه إلى الملاحظة التي أبداها الأستاذ أحمد شوقي بنبين في مقالة له بمجلة دعوة الحق (ع.281)، وهي أن فهرسة المخطوطات العربية التي تم تجميعها، في البداية بطرق مختلفة- بلغ بعضها حد القرصنة، مثل ما حدث مع المكتبة السعدية بسواحل المغرب- ونقلها إلى المكتبات الأوربية، لم تتم على أيدي المستشرقين الذين اهتموا في البداية بدراسة اللغة العربية وتدريسها، وتأليف الكتب حول علومها، بل مارسها المشارقة، وفي غالبيتهم، كانوا يتقنون اللغة العربية واللغات السامية الأخرى والهندية الأوربية، ومعظم هؤلاء كانوا من الموارنة اللبنانيين الذين نزحوا إلى روما لدراسة اللاهوت، أواخر القرن السادس عشر الميلادي، فأصبحوا من العلماء الكبار في الكنيسة الكاثوليكية، ورحل بعضهم إلى فرنسا. وكان هؤلاء من أوائل من قاموا بفهرسة مخطوطات الخزانات الأوربية، ومنهم؛ بطرس دياب الحلبي مفهرس الخزانة الملكية الفرنسية ، وباروت السوري بعده، والأب يوسف العسكري. وفي إيطاليا قام بالعملية أفراد من أسرة "السماعنة" المارونية، فوضع يوسف شمعون أول فهرست لمخطوطات الفاتيكان، ثم خلفه ابن شقيقه عواد السمعاني. وفي إسبانيا اعتبر ميخائيل الغزيري أول من فهرس خزانة دير الإسكوريال (طبع بمدريد في جزأين،ما بين 1760 و1770)، وجاء بعده، بعد أكثر من قرن، الألماني الأصل والفرنسي "هرتويج دارنبور" (Hartwig.D.) ليحاول استكماله والاستدراك عليه، فأصدر جزءا من هذا العمل في باريس سنة 1884 ، إلى أن جاء "ليفي بروفنسال"(1956)، ليقوم باستكماله في الفقه والجغرافيا والتاريخ على منهج سلفه، كما يذكر محمد الكتاني في "مطارحات منهجية حول الأدب والنقد وعلاقتهما بالعلوم الانسانية،ص239).
      ومع تكاثر هذه المخطوطات، وازدياد الرغبة في الاستفادة منها، خدمة للأغراض الاستعمارية، قامت الدول الأوربية في القرن التاسع عشر بالإشراف على تكوين علماء في مدارس متخصصة في اللغات الشرقية، وكانت الخطوات الأولى التي قام بها هؤلاء، قبل عمليتي؛ التحقيق  والنشر، هي الفهرسة العلمية لما تم جمعه، بغاية الوقوف على تاريخ أهلها وحضارتهم، والمسح الكامل لما أنتجوه، هذا المسح الذي سيمكن من المعرفة التي ستمكن، بدورها، أوروبا المتحضرة من السيطرة على أمم هذا الشرق "العظيمة"، بحسب مبدأ "بلفور" في محاظرته التي استهل بها إدوارد سعيد كتابه "الاستشراق". فصدرت مجموعة من الفهارس مكتوبة باللغات الوطنية الأوربية، على شكل كتب مطبوعة أو مقالات نشرت في مجلات متخصصة.
     ورغم نية الاقتصار على نموذج حديث، نسبيا، من هذه الفهارس، فإن ذلك لا يمنع من الإشارة إلى نماذج أخرى، بالإضافة إلى الأعمال العربية التي حاولت حصر الإنتاج الاستشراقي بدورها، بغاية المقارنة. والنموذج هو : "تاريخ الأدب العربي" لكارل بروكلمان"، الذي لا يمكن لأي دارس، عربيا كان أم أجنبيا، تجاهل مدى أهميته، وتأثيره فيمن جاء بعده من العرب والعجم. وهذا لا يعني تجاهل فهارس أخرى لها من الأهمية، ما تعجز هذه العجالة عن الإحاطة بها كلها.
     وتجدر الإشارة، إلى عملين عربيين، حاول فيهما صاحباهما حصر أعمال المستشرقين، وتصنيفها، هما: "موسوعة المستشرقين" لعبد الرحمان بدوي، ويتكون من جزء واحد في أربعين وستمائة صفحة، اعتمد فيه المؤلف على مدخل اسم شهرة المستشرق، ورتبه ألفبائيا، وهو أقرب إلى المعاجم الخاصة بالمؤلفين. أما العمل الثاني، وهو أضخم حجما وأدق تنظيما، وأقرب إلى العمل البيبليوغرافي، فهو كتاب "المستشرقون" لنجيب العقيقي، ويتكون من ثلاثة أجزاء، بلغ عدد صفحاتها أربع عشرة وأربعمائة وألف صفحة، اعتمد فيه صاحبه مداخل متعددة بحسب بلدان المستشرقين، ومدى مساهمة كل بلد من نواح مختلفة تخص المكتبات والأسماء والمؤلفات مع وصفها، وقد خص الفصل الخامس والعشرين للبنانيين. يقول في إحدى صفحاته (1124) واصفا منهج الفهرسة عند هؤلاء أي المستشرقين:" ولم يقفوا من تراثنا عند جمعه وصونه بل بادروا إلى فهرسته، حيثما وجدوه، فهرسة علمية دقيقة، في مجلدات عديدة مجددة منقحة، تناولت غالبيتها أسماء المؤلفين وأقدارهم، وإحصاء مؤلفاتهم بين مطبوع ومخطوط مع ذكر مكانه، وأصالة المخطوط، ونسبته إلى صاحبه، وتاريخ نسخه، ومزاياه، ونوع الورق، والحجم وعدد الصفحات والسطور..."
     يتفق كل المهتمين، بأن كتاب "بروكلمان" (1868-1956) "تاريخ الأدب العربي"، من أهم ما وضع في مجاله، بعد كتاب المستشرق النمساوي "يوسف هامر بورجشتال" (j.Hammer Purgstall) "تاريخ الأدب العربي إلى القرن 12" المطبوع في فيينا عام 1850م في سبعة أجزاء. إلا أن هذا الأخير في نظر "بروكلمان"، كما يشير الأستاذ أحمد بوحسن (العرب وتاريخ الأدب نموذج كتاب الأغاني،ص:118)، "لم يكن على علم كاف بالعربية، كما أن أهم مصادر تاريخ الأدب لم تكن قد عرفت بعد في زمانه" (تاريخ الأدب العربي، مقدمة المترجم)، ومن أوائل من تأثر به في منهج تناوله جرجي زيدان في مؤلفه "تاريخ آداب اللغة العربية". يقول الدكتور شوقي ضيف في تقديمه للكتاب :"وكان من أهم ما استغله وانتفع به كتاب تاريخ الآداب العربية لبروكلمن" (1/5). وممن اتبعوا منهجه في الفهرسة ووضع بيبليوغرافيا شاملة للتراث العربي فؤاد سزكين في مصنفه "تاريخ التراث العربي" (ت.د.محمود فهمي حجازي. في 10 مجلدات)، والذي كان انتوى في بداية تأليفه للكتاب، كما يشير في مقدمة الجزء الأول، تجديد عمل "بروكلمان" متبعا المنهاج نفسه، إلا أنه عدل عن ذلك فيما بعد. ويقول عبد الرحمان بدوي في موسوعته :"من ذا الذي يمكن أن يستغني عن "تاريخ الأدب العربي" بأجزائه الخمسة...إنه لا يزال حتى الآن المرجع الأساسي والوحيد في كل ما يتعلق بالمخطوطات العربية وأماكن وجودها" (ص98).
     يختلف تبويب الكتاب بين أجزائه، فالجزء الأول قسم إلى أبواب وفصول، ومجموع أبوابه ثلاثة يتكون كل باب من عشرة فصول، أما الأجزاء الأخرى، فتتكون من أقسام وأبواب، والتي ترجم بعضها بالتناوب؛ رمضان عبد التواب، والسيد يعقوب بكر، بعد انتقال عبد الحليم النجار، الذي كانت قد كلفته إدارة القسم الثقافي للجامعة العربية بهذه الترجمة، إلى رحمة الله، والتي امتدت ما بين سنتي 1960 و 1962.
    وقد صنفت مواد الكتاب، بحسب العصور السياسية، على النحو الآتي:
-         أدب اللغة العربية من أوليته إلى سقوط الأمويين، وقسمه إلى ؛ أدب الأمة العربية من أوليته إلى ظهور الإسلام، وعصر النبي صلى الله عليه وسلم، ثم عصر الأمويين.
-         الأدب العربي الإسلامي، وقسمه إلى عصر النهضة، وعصر ما بعد الفترة القديمة.
أما تصنيف المادة، بحسب العلوم،ففي الفترة ما قبل الإسلام، خص الفصول التسعة من الباب الأول للشعر، وخص الفصل العاشر منه للنثر. مع تصدير هذا الجزء بمقدمة يبين فيها المؤلف ما دعاه بـ"منحى تاريخ الأدب"، ومفهومه للأدب بعامة، ومصادر تاريخ الأدب العربي والكتب السابقة التي تناولته، وأهم المصادر المعتمدة في تراجم المؤلفين، وعصوره ومبرر التقسيم الذي ارتضاء على غير ما عهد في التقسيم العربي بين الجاهلي والمخضرم والإسلامي. أما مع عصر النبي، صلى الله عليه وسلم، في الباب الثاني، فقد خص الفصل الأول للنبي، والفصل الثاني للقرآن، وباقي الفصول للشعر، وكذلك فعل مع  الباب الثالث ( (عصر الأمويين)، إلى الفصل العاشر الذي جعله للنثر. وانطلاقا من الكتاب الثاني، سيبدأ التفصيل في التصنيفات، بسبب التطورات والتنوع الذي عرفته علوم العربية وظهور علوم أخرى، ومنها علوم القرآن  والحديث والفقه، والتاريخ والنثر الفني والتصوف وعلم الفلك والرياضيات والعلوم الطبيعية والبلاغة، وغيرها.
              إن منهجية التناول عند "كارل بروكلمان"،  لا تقتصر على الضبط والوصف البيبليوغرافيين، بل تتجاوز ذلك إلى التأريخ وإبداء وجهات النظر، وانتقادها وإبداء الرأي الخاص، مع الاستعانة بالمراجع والمصادر.  ومن الأمثلة التي يمكن إيرادها في هذا الجانب؛ حديثه عن لفظة "قصيدة"، يقول:"وأجدر المحاولات بالتفضيل والاختيار من بين ما ذكره اللغويون في تفسير اشتقاق هذه الكلمة هو ما اختاره لاندبرج Lqndberg  من أن معناها "شعر الغرض والقصد، وإن غلا فيما زعم تعليلا لذلك...فمما لا ريب فيه أن الغرض والقصد لم يكن في الزمن القديم أصلا، ولم يكن في الزمن المتأخر دائما، هو الجزاء المادي. ومن ثم لم يصب جورج ياكوب في اقتراحه تفسير كلمة "القصيدة"، بأن معناها "شعر التسول"، فإن ذلك لا يصح إلا في عصور الانحلال والاضمحلال" (1/59).
     ففي هذا المقطع ؛ يشير إلى أن من معاني "قصيدة" التي ذكرها اللغويون، ويقصد إلى ما جاء في : طبقات الجمحي، كما أشار في الهامش، والمؤتلف والمختلف للآمدي، وطوق الحمامة لابن حزم، والتي عاد إليها (Landberg) واختار منها  ما رآه معبرا عن معنى الكلمة؛ "شعر الغرض والقصد"، ولكنه غالى فيما ذهب إليه من الزعم، وأورد في الهامش (2)عبارته بالفرنسية، ثم أتبع ذلك برأي "جورج ياكوب" الأكثر نغالاة فيما ذهب إليه من أن معنى الكلمة هو "شعر التسول".
     وفي الفصل السادس ، من الجزء الأول، الذي خصه بمصادر معرفة الشعر الجاهلي، يستهل حديثه عن الأشعار القديمة، التي جمعها اللغويون في دواوين، او مجموعات لقبائل، أو طبقات اجتماعية ، ثم المختارات والمنتخبات، بمناقشة أمر المعلقات، ليناقش أمر التسمية، ومجموعة "حماد الراوية"، وسبب التسمية، وعددها وأصحابها، وآراء المستشرقين الذين تعرضوا لها، لينتقل إلى المصادر الخاصة لهذه المعلقات، فيوردها مرتبة على النحو الآتي:
1-    نصوص وتراجم؛ أي نصوص المعلقات وترجماتها إلى اللغات الأخرى، ويسرد المصادر من الأقدم |إلى الأحدث، والشروح، مع الإشارة إلى مصادر ومراجع أخرى، والمطبوع وأماكن الطبع، ثم المخطوط وأماكن تواجده، وينتقل من اختيار حماد الراوية إلى اختيار المفضل الضبي، فيترجم له، ويحيل على المصادر التي عاد إليها واماكنها ونسخها وطبعاتها إن كانت مطبوعة، والشروح التي تناولتها، والمقارنة بينها وبين الأصمعيات والخلط الذي وقع بينهما والنسخ الأصلية وأماكن تواجدها، وغيرها من المعلومات الدقيقة ، وهذه الدقة والإحاطة تشمل باقي أقسام الكتاب وأجزئه وأبوابه وفصوله.
    وسنقتصر على مثال آخر هو "جمهرة أشعار العرب" (ص ص 75-77)، وتفرض رغبة الاختصار وضع التصميم الآتي:
     التعريف بالمجموعة؛ سنة جمعها، وأقسامها (سباعية) مع شيء من التفصيل في مضامين الأقسام؛ الأول خاص بالمعلقات، والأقسام الستة الأخرى حلي بعناوين مختارة؛ المجمهرات، المنتقيات، المذهبات إلخ.ومضامين القسم الأخير، وجامعها وما توفر من ترجمته، والمصدر الذي أخذ منه، وتاريخ الجمع أو التأليف  المحتمل.
أ‌-       مخطوطات:يشير في هذا القسم إلى أماكن وجود المخطوطات، مع الرقم التسلسلي  لكل مخطوط، والمرجع الذي يمكن الاستعانة به . 
ب‌-  طبعات:ويذكر الطبعات مرتبة تاريخيا، والكتب التي طبعت ضمنها، وطريقة الطبع ونوعها، والمراجع المساعدة في تعرف هذه الطبعات.
ت‌-  اختيارات ومصنفات  أخرى؛ ومنها : مصنف لمجهول وضع مجموعة تحتوي على ألف قصيدة (بغداد+ التواريخ)، والعنوان الذي وضعه لمجموعته، والمرجع الذي أخذ منه المستشرق أو الإحالة ومكان تواجده،وأشار إلى المجموعتين أو الاختيارين بـ"3 أ" و"3 ب"، وبينهما يستعمل الأرقام (1)، (2)، وبعد "جمهرة أشعار العرب"، ينتقل إلى اختيارات أخرى ظهرت في العصر العباسي مع انتشار نزعة التجديد، يمهد لها بفرش تاريخي، ليبدأ بأقدمها، وهي "حماسة أبي تمام"متبعا المنهاج المفصل نفسه، وكل ما توافر له من معلومات.

    إن مقاربة كتاب بيبليوغرافي (فهرست بالمعنى الذي استعمله ابن النديم ومن اتبع منهجه)، من مثل كتاب "تاريخ الأدب العربي" ، أو بعض عناصره حتى، لا يمكن لعجالة في مثل هذه أن تقوم به، ويبقى الأمر أقرب إلى الإشارة الخاطفة منه إلى دراسة مفصلة، وذلك ما لا تتسع له ولا المقام مقامه، ولكن فقط ، لأن الغاية لم تكن المؤلف أو منهجه في حد ذاته، بقدر ما كانت الإشارة من خلال هذا النموذج الاستشراقي، إلى أهمية علم الفهرسة، وتعدد مناهجه وغناه، وضرورته، بل إنه المبتدأ بالدرجة الأولى لأنه يمكن من حصر المصادر والمراجع ووصفها ومعرفتها معرفة دقيقة، ثم الاستفادة منها بعدئذ، وتكون المحصلة في الأخير، ليست نتائج الدراسة التي استعنا بها بهذه البيبليوغرافيا، وإنما قدر المنتج الفكري وما ساهمت به أمة من الأمم في وضع لبنات الحضارة الانسانية، وذلك هو الغاية والمنتهى. 

الاثنين، 21 أبريل 2014

أعداد من مجلة أنفاس

مجلة أنفاس، مجلة فكرية عربية مغربية . . . تصدر شهريا
العنوان: 4 شارع باستور - الرباط - المغرب.
ح.ب 79 989 الهاتف: 235-92
المسؤول: عبد اللطيف اللعبي.


- السنة الثانية، العدد الأول، مايو 1971
- العدد الثاني، يونيو 1971
- العدد الثالث والرابع، يوليوز، غشت 1971
-العدد الخامس، أكتوبر 1971.
- العدد السادس، نوفمبر 1971.
- العدد السابع والثامن، دسمبر 1971 يناير 1972.



المصدر : http://majles.alukah.net/t97014/#ixzz2zX0xgpoQ
هذه اعداد من مجلة "المغرب الجديد" التي  صدر عددها الأول بتطوان عام 1935م (منقول للفائدة)
- المغرب الجديد، ع1، 1935م.
- المغرب الجديد، ع2، 1935م.
- المغرب الجديد، ع3، 1935م.
- المغرب الجديد، ع4، 1935م.
- المغرب الجديد، ع5، 1935م.
- المغرب الجديد، ع6، 1935م.
- المغرب الجديد، ع7، 1935م.
- المغرب الجديد، ع8، 1936م.
- المغرب الجديد، ع9-10، 1936م.
- المغرب الجديد، ع11، 1936م.
- المغرب الجديد، ع12، 1936م.
- المغرب الجديد، ع13، 1936م.
- المغرب الجديد، ع14، 1936م.
- المغرب الجديد، ع15، 1936م.
- المغرب الجديد، ع16، 1936م.
المغرب الجديد، ع17، 1936م.
صفحة التحميل



هذه أعداد مجلة "دعوة الحق" (منقول للفائدة عن الرابط الآتي: http://www.ahlalhdeeth.com/vb/showthread.php?t=120125 )
1 - أعداد السنة الأولى :
http://www.archive.org/details/dawathaq
2 - أعداد السنة الثانية :
http://www.archive.org/details/dawathaq2
3 - أعداد السنة الثالثة :
http://www.archive.org/details/dawathaq3
4 - أعداد السنة الرابعة :
http://www.archive.org/details/dawathaq4
5 - أعداد السنة الخامسة :
http://www.archive.org/details/dawathaq5

الخميس، 17 أبريل 2014

NOUREDDINE Chenoud -- Awid aman--

NOUREDDINE Chenoud --Afertatou--

belle music algerienne kabyle nourdine chenoud - chenoud hamlagh kem

N. Chenoud (Cennud, hemlaγ-kem) (+قائمة تشغيل)

Idir Muhend Nney Awah Awah (+قائمة تشغيل)

la meilleur chanson d'amour (kabyle)2012 "Rachid Iken"

Ait MENGUELLET - Asegwas (Cité de la musique 2000)

Nass El Ghiwane à Belgique - Mahmouma

Nass El Ghiwane à Belgique - Mahmouma

Nass el ghiwane ya sah (+قائمة تشغيل)

Nass El Ghiwane - Rod Balek

الأحد، 13 أبريل 2014


 
 
16/07/2008
 

المسرح الفردي في المغرب
عبدالواحد عرجوني (مجلة أقلام الثقافية)

 
 
رائد المسرح الفردي في المغرف عبدالحق الزروالي في احدى أعماله المسرحية
 
مقدمة:
 
رغم غزارة ما أنتج، نسبيا، حول المسرح المغربي، فإننا لا نكاد نجد بحثا أو دراسة مستقلة تتناول "المسرح الفردي"، إلا شذرات ذيلت بها بعض المؤلفات، لا تتجاوز الإشارات العابرة أو قراءة لبعض النصوص أو إسهابا في الحديث عن تجربة معينة، كما هو الأمر مع "عبدالحق الزروالي"، رغم أن هذا الحديث نفسه، لا يخرج عن كونه مقالات متفرقة أو حوارات، يغلب عليها الطابع المناسباتي، إذ غالبا ما تكون بعد مهرجان أو تقديم عرض مسرحي، لا ترقى إلى إلى التناول العلمي. وكثيرا ما يتأرجح الكلام عن هذا النوع من المسرح، بين وسمه بالظاهرة تارة والتجربة تارة أخرى، والتيار، والاتجاه...وهناك من النقاد من يجمع كل النعوت دون تكليف النفس بتحديد الفوارق أ و مراعاة قواعد استعمال المصطلح، فيزيد الموضوع غموضا، ويجعل كل من يرنو،الاطلاع قبل البحث،من داخل البيت منفرا، فكيف بمن يود المقاربة ضيفا، فيجد الأبواب موصدة، كأن أهل الدار، رغم عكس ما يدعون، يرفضون جعل المسرح مملوكا على الشياع. فكيف يستساغ الحديث عن "المسرح الفردي" في المغرب ؟ هل يمكن تناوله كظاهرة، كتجربة، كتيار مسرحي أو اتجاه قائم وواضح المعالم، كباقي التيارات المسرحية، التي خبا نور بعضها وهل هلال أخرى ؟ ثم هل يمكن الحديث عن اتجاه مسرحي في غياب رصيد نظر وتراكم كمي يدعمه؟ وهل يمكن القول بأن ما تحقق لحد الآن يسمح بذلك؟ تحديد المصطلح: فن "المونودراما" أو "مسرح الممثل الواحد"، أو "المسرح الفردي"، هو نوع من المسرح يقوم فيه "ممثل واحد بلعب وأداء مسرحية مكتملة" (1)، أو النوع المسرحي الذي يقوم فيه ممثل واحد بأداء عرض أو فرجة مسرحية. وإذا كان مصطلح "المسرح الفردي" غير مستساغ ، رغم شيوع استعماله، لأنه لا وجود لمسرح بهذا المعنى "لأن فن المسرح يختلف عن الفنون الأخرى بجماعيته"(2) أي بوجود ممثلين يمثلون أو يشخصون الأدوار وجمهور . وسواء تحدثنا عن العرض Lareprésentation أو الفرجة Le spectacle فإن مفهوم هذه الفردية يثير الكثير من التساؤل، فالأول أي العرض "كتابة ركحية.تتضافر في بلورتها كتابات فنية متعددة" (3) انطلاقا من الصوت مرورا بالجسد واللون والإيقاع واللفظ الدرامي الخ. وكذلك الفرجة فهي تعتمد عددا من الفنون، وهذا ما لا يمكن أن يقوم به فرد واحد. أما مصطلح "مسرح الممثل الواحد"، فيكاد يدل على نفس معنى "المونودراما" المترجمة صوتيا عن "Mono-drame"وهي لفظة مركبة من "Mono" وهي بادئة يونانية معناها "واحد" (4) و"Drame" وهي أيضا يونانية الأصل تعني الحركة والفعل والعمل، وفي الاصطلاح فمعناها يكاد يكون متطابقا مع المعنى الغوي، "فيشير إلى الفعل على خشبة المسرح، أي الانجاز أو التشخيص الذي يقوم به الممثلون اعتمادا على نص درامي، اكتسب هاته الصفة الأخيرة "درامي"، لأن طريقة صياغته الفنية تضع في حسبانها أداءه وتقديمه على خشبة المسرح" (5). واستعمل المصطلح استعمالات أخرى للدلالة على بعض الأنواع المسرحية، وقد تتبع باتريس بافيس تطور اللفظة منذ نشأتها اليونانية، "وقدم لها دلالات مختلفة ، فإلى جانب أصلها، كما تم تحديده أعلاه، تحول معناها ليعني النوع الأدبي المؤلف من أجل المسرح، عرض النص على الخشبة أم لم يعرض، وقد أطلقت في القرن الثامن عشر على نوع خاص من الكتابة المرحية، كما أطلقت لتدل على الدراما الرومانسية" (6). فـ"مونودراما" إذن هو الفعل المسرحي على خشبة يقوم به ممثل واحد "يقوم بدور واحد أو يتقمص وحده أدوارا مختلفة." (7)، وقد استعمل الشاعر الإنجليزي، كما يذكر معجم المصطلحات العربية، اللورد تنيسون Alfred Lord Tennyson هذا المصطلح وصفا لقصيدة طويلة اسمها "مود" Maud سنة 1855، تبدو في شكل قصة حب يستغلها الشاعر، ليعبر فيها عن انطباعاته في الحياة عامة (8).
 
نبذة تاريخية:
 
يذهب الدكتور ثامر مهدي إلى أن المسرح الفردي ظهر"في السنوات الأخيرة من القرن الثامن عشر، ما بين 1775 و1780م عل يد ممثل ألماني اسمه "جوهان برانديز"، وقد ظل مهملا حتى النصف الثاني من القرن العشرين (حيث ظهر) في العديد من المسارح الصغيرة في أوربا وأمريكا" (9)، ونفس الرأي نجده عند محمد أديب السلاوي الذي يضيف بأن هذا النوع من المسرح ظهر ليعبر عن إفلاس المسرح الجمعي، في حين يربط ثامر مهدي هذا الظهور، بازدهار الدراسات النفسية وانعكاسها على التيارات الفنية والأدبية "ومما يؤكد هذا الزعم هو ظهور اتجاه خاص  ضمن هذا النمط. يغوص عميقا داخل النفس البشرية بكل عفوية وبانفلات  تام عن عناصر البناء والرسم المقصود، وهو اللون الذي اختـص  باسم (السايكودراما)" (10). أما ماري كلود هوبر Marie-Claude Hubert فيرى أن المسرح بدأ فرديا على يد شاعر Thespis الذي كان يلقي قصائده المكتوبة مصحوبة بالرقص، "وكان ذلك حوالي 505 قبل الميلاد، وفي القرن الموالي أضاف Eschyle الممثل الثاني، مما مكن من ظهور اللعب الحواري، وهكذا كانت ولادة المسرح الغربي" (11). ويستنتج من هذا الرأي أن للمسرح الفردي فضل السبق عن المسرح الجمعي، ومن جهة أخرى إن أصول "اللعب المسرحي تمتح من الرقص والغناء والحركات، كما يذهب كوردن كريج (12) G. Graig أو أن "التمثيل نزعة فطرية في الانسان.. أو غريزة من غرائزه الأساسية..." (13) وبالتالي يكون "المسرح فن قديم قدم الانسانية نفسها" (14)، وليس وليد حقبة أو حضارة معينة، بل يذهب الكثيرون إلى أن المسرح كما ظهر عند اليونان، قد عرف في الحضارات السابقة كما يذهب "كورت زيته" في مؤلفه "البدايات الدرامية الشعرية عند المصريين القدماء" (1905) والباحثة السوفييتية "تمارا الكساندروفنابو تينتسيفا" في كتابها "ألف عام وعام على المسرح العربي". وسواء تعلق الأمربالغرب أو بالشرق، فإن البحث عن البدايات الأولى للمسرح بصفة عامة، وللمسرح الفردي، بصفة خاصة، سيكون نوعا من العبث، ودورانا في حلقة مفرغة، ويبقى ما هو أقرب إلى المتناول، وأقرب زمنا ، أحق بإثارة التساؤل.
 
المسرح الفردي في المغرب:
 
1- البدايات:
 
يذهب الكثير من المهتمين من أن التأريخ للمسرح الفردي في المغرب، كظاهرة مسرحية، يبدأ مع المهرجان الوطني الأول لمسرح الفردي الذي نظمته جمعية الفن السابع سنة 1977 بالرباط (15) . وفي غياب توثيق دقيق للعروض والنصوص، فإنه لا يمكن الجزم بتاريخ محدد للبداية الفعلية ، لهذا النوع من المسرح ، أما بالنسبة لمهرجان الرباط، فإنه ،لاشك، قد جاء بعد تراكم كمي فرض تنظيمه، والبيبليوغرافيات المنجزة في هذا المجال، تعتمد معظمها النصوص المنشورة، سواء في كتب أو على صفحات الجرائد والمجلات، أما الكتب التي تؤرخ للمسرح المغربي، فغالبا ما تعتمد على ما يعرض في الملتقيات والمهرجانات، فعبدالحق الروالي يذكر أن أول تجربة له كانت مع رواية "ماجدولين" سنة 1967 (16) مع أنه لا يعتبر محاولته تلك تدخل في هذا الإطار، ويقر بأن "التأريخ لتجربة المسرج الفردي أو مسرح الممثل الواحد بدأ سنة 76-77 مع المهرجان الوطني الأول لمسرح الفردي" (17) ويشير إلى المسرحيات التي أفرزتها الممارسة خلال الثلاث سنوات السابقة عن المهرجان هي "الزغننة" لمحمد تيمد، "شريشماتوري" لنبيل لحلو، "الزيارة" لعبدالكريم السداتي،"الحرباء" لحوري الحسين، و"الوجه والمرآة" لعبد الحق الروالي (18). ويذهب محمد أسليم إلى اعتبار أعمال أحمد السنوسي وبنياز تدخل في هذا الإطار (19) . كما أن هناك إشارات إلى تأثره بمن سبقوه، أمثال محمد تيمد في "الزغننة" وعبدالكريم برشيد في "الناس والحجارة" والمرحوم حوري الحسين في"الحرباء" و"السباق" ومحمد قاوتي في "اندحار الأوثان" (20) وقد تخلى العديد من هؤلاء عن التجربة ليتركوا المجال لعبدالحق الزرواليليواصل المسير ويحقق تراكما كميا جعل اسمه يقترن بالمسرح الفردي بدون منازع. وما يمكن استنتاجه عموما، من الكثير مما قيل، حول مسرح الممثل الواحد، في المغرب، إنه خرج من رحم مسرح الهواة، في سنوات الستين، فهل كانت ولادته ناتجة عن تطور طبيعي لهذا المسرح في المغرب ؟ وهل يمكن تناوله كظاهرة ؟ كتيار أو اتجاه مسرحي ؟ أو كتجربة ؟
 
2- ماهية المسرح الفردي في المغرب:
 
يذهب الأستاذ محمد السلاوي، إلى أن "المسرح الفردي" تحول كظاهرة في المسرح المغربي مع العقد الثامن من القرن الماضي (سنوات السبعين)، وقد نتج عن "الظروف المحلية العامة، وعن ظروف المسرح المغربي نفسه..ونتج عن رغبة المسرحيين في اتغيير والتمرد على القوالب الجاهزة، وتجاوز التهميش والقمع وتخطي الظرف السياسي/ الاقتصادي. مما انعكس، بكل سلبياته على الحركة الإبداعية والفكرية" (21). فالجيل السبعيني عنده "لعب دورا طلائعيا وهاما... وساهم في إبراز معالم فردانيته الفنية والأدبية، انطلاقا من نكسة 1967، وانتهى بسلسلة النكسات التي جاءت بعدها، والتي ساهمت على المستوى العربي في عودة الفكر العربي إلى أعماق نفسه للبحث في ذاتيته عن متنفس للعزلة القاسية التي ضربت حوله بإحكام". (22). ويذهب أحمد العراقي، إلى أن "المسرح الفردي" "ظاهرة مرضية لا تزدهر إلا في حالة الأزمة، ما دام العمل المسرحي بطبيعته عمل جماعي. وهذه الظاهرة أوجدتها...مكونات الأزمة المتمثلة في ضعف المنح، وضعف الأطر المسرحية، وغياب تقاليد العمل الجماعي" (23). أما الأستاذ مصطفى رمضاني فيعتقد أن العامل الاقتصادي "هو الذي كان وراء ظهور مسرحية الممثل الواحد، فالفرد الواحد يقتضي بدوره اقتصادا في الدسكور والاكسسوار وكل الملاحق الأخرى..." (24). ويتساءل محمد أسليم: " كيف يمكن ربط هذا الصنف من المسرح الذي يدعى بـ"المسرح الفردي"...هل يمكن اعتباره تعبيرا رمزيا على هذا الانتقال الذي تشهده القيم حاليا بالمغرب من قيم جماعية إلى قيم فردية ؟" (25). أم الأستاذ حسن المنيعي، فيعتبر الظاهرة "تؤشر على تطور الإنجاز الدرامي المغربي وعلى حرص أعلامه على اختراق التقليد السائد لتأسيس كتابة مغايرة" (27). يستشف مما تم إيراده أعلاه من آراء، أن هناك اختلافا في النظر إلى "مسرح الممثل الواحد"، بين المهتمين من النقاد والمبدعين، على مستوى تصنيفه ضمن المسرح الوطني بصفة عامة كظاهرة أو كتيار أو اتجاه أو كتجربة، وعلى مستوى أسباب الظهور، حيث يتم ترجيح الأسباب الاقتصادية والظروف السياسية، وهذا ما نجده عند حتى عند بعض المشتغلين أنفسهم كعبدالحق الزروالي صرح ما من مرة بأن "عوامل كثيرة تعرقل كل مشروع مؤسساتي يخدم المسرح في إطاره الجماعي" (28)، ويأتي على رأس هذه الظروف أو هذه العوال العامل الاقتصادي، فالفنان يشتغل على نفس قطع الديكور لمدة طويلة، أي يضطر إلى استعمالها في عروض عدة، لأنه لا يتوفر على ميزانية تسمح له باقتناء أخرى (29)، كما لا يمكن إغفال الظروف الخاصة كما سنتعرف لا حقا عند الزروالي. إذا كانت الظروف الاقتصادية والسياسية قد ساهمت،بطريقة أو بأخرى في بروز "مسرح الممثل الواحد"، وهذا يؤكده، ربما، تخلي البعض عن الممارسة في هذا المجال، فإنه مما لا شك فيه أيضا، أن الأمر لا يخلو من نوع من التمرد على السائد وركوب مغامرة تجريب أشكال إخرى من المسرح ،في حمى التجريب والبحث التي سادت مرحلة العقد الثامن(السبعينيات)، كان لأثر التراث فيه دور المحفز بسبب الغنى الذي يزخربه، على مستوى الفرجة التي يقدمها فرد واحد ، والتأثر أيضا بالتيارات المسرحية الغربية التي تكون ضمنها بعض المسرحيين المغاربة، وتأثير توجيه المكونين أنفسهم، كـ"أندري فوازان" الذي ساح في بعض مناطق المغرب مشيا على الأقدام للتقرب أكثر من الناس لتعرف اللغة المسرحية المناسبة للتواصل معهم. إن مصطلح "ظاهرة" ، يحيل في المسرح، على "حدث" مسرحي أو فني، يفترض انسجاما تيميا لظهوره ورواجه، خلال لحظة تاريخية ما، على حد تعبير سعيد علوش في تعريفه للظاهرة الأدبية (30)، دون الحديث عن قضية مسرحية نظرية، على حد تعبير محمد الكغاط، رحمه الله، (31)، لأن القضية النظرية تقتضي الانطلاق "من أسس فنية وجمالية معينة" (32)، وهذا ما كان يمكن أن يتحقق أو ربما تحقق في بعض جوانبه ، في تجربة المرحومين؛ حوري الحسين ضمن مسرح المرحلة، ومحمد تيمد، في مسرحيته الوحيدة ضمن "المسرح الفردي" "الزغننة". إن "التيار" أو "الاتجاه"، يفترض قناعات علمية ومنطلقات فكرية وجمالية، يتوحد الإبداع المنضوي تحتها في خدمتها والتعبير عنها والدفاع عنها، وهذا ما لا نجده في "مسرح الممثل الواحد" في المغرب ، لأن كل يتحدث عن تجربته الخاصة في إطار الاتجاه الذي ارتضاه لنفسه.ولم يكن عبدالرحمان بن زيدان مجانبا للصواب حين تحدث عن"الصيغة" (33) أو "صنف" كما سبقت الإشارة عند محمد أسليم. ونجد الأستاذ مصطفى رمضاني يتحفظ في استعمال مصطلح "اتجاه" رغم وضعه ضمن أبرز الاتجاهات كالاحتفالية والمسرح الثالث ومسرح النقد والشهادة ومسرح المرحلة، يقول:" ونحن إذ نسمي هذه التجارب باسم الاتجاهات نؤكد أن الاتجاه يحتاج إلى تدقيق وضبط علمي. فالاتجاه يقتضي وجود تيار فني متماسك، يعتمد على نظرية واضحة وثابتة..."(34)، ويتضح أن تحفظ الأستاذ يشمل كل تلك المسماة اتجاهات، ولا يقصر حديثه عن "المسرح الفرد" وحده، أو يقصده دون غيره، والأجدر نعتها بـ"التجارب".
 

الهوامش:
 
1- د.ثامر مهيدي، مسرحية برج النور، برج النور، أفريقيا الشرق، البيضاء، 1991، ص 55
2- دمصطفى رمضاني، الحركة التجريبية في المسرح المغربي المعاصر، مجلة كلية الآداب وجدة، العدد1 السنة الأولى، 1410/1990، ص36.
3- أحمد بلخيري، المصطلح المسرحي عند العرب، البوكيلي للطباعة والنشر والتوزيع، ط1 1999، ص126
4- دجبور عبدالنور-د.سهيل إدريس، المنهل،دار العلم للملايين-دار الآداب،ط10 1989،ص677.
5- المصطلح المسرحي عند العرب،م.س. ص 120.
6- محمد الكغاط، المسرح وفضاءاته، البوكيلي للطباعة والنمشر، ط1 1996، ص 27-28.
7- مجدي وهبة-كامل المهندس، معجم المصطلحات العربية في اللغة والأدب، مكتبة لبنان، 1979، ص 198-199.
8- نفسه .
9- د.ثامر مهدي ، م.س. ص 56.
10- نفسه.
11- Marie-Claude Hubert,Le théatre, Edition Milour, 1996,Toulouse, France , P 5.
12- محمد الكغاط، المسرح وفضاءاته، م.س.ص 86.
13- نفسه ، ص 26.
14- Charle-Henri Favrod, Le théatre, Encyclopédie du ,onde actuel, EDMA,n: 4461 , 1976.
15- محمد أديب السلاوي، المسرح المغربي البداية والامتداد، ص 174
16- عبدالحق الزروالي، تجربتي مع المسرح، مجلة آفاق (اتحاد كتاب المغرب) ، العدد3، خريف 1989، ص 100. وكذلك في حوار له مع الأحداث المغربية، أجرى الجوار روشدي التهامي، صفحة فنون، عن موقع الجريدة، WWW.Qlqhdqth.knfo
17- عبدالحق الزروالي، تجربتي مع المسرح، م.س.
18- نفسه.
19- محمد أسليم، حول مفهوم الأشكال "ما قبل المسرحية" نحو إثنولوجيا للمسرح المغربي..،مداخلة خلال القراءة التي نظمتها المدرسة العليا للأساتذة بمكناس يوم : 23-01-95 لكتابي :د.حسن المنيعي"المسرح المغربي من التأسيس إلى صناعة الفرجة"، ود.حسن بحراوي"المسرح المغربي بحث في الأصول السوسيوثقافية"، وقد نشرت بالملحق الثقافي للعلم عدد 25 مارس 1995، عن موقع محمد أسبيم : http://www.Aslim
20- مكتب جريدة الشرق الأوسط بالرباط، رحلة الزروالي إلى بغداد برج النور يضيء تاريخ مدينة فاس، ضمن مسرحية "برج النور" ص 86-90.
21- محمد أديب السلاوي ، المسرح المغربي البداية والامتداد،ص 174-175-176.
22- نفسه.
23- أحمد العراقي، أزمة المسرح المغربي وانعكاساتها على المسار الثقافي والفني بالمغرب، مجلة المدينة ، العدد 6، يونيو 1981، ص 16.
24- د.مصطفى رمضاني، الحركة التجريبية في المسرح المغربي المعاصر، مجلة كلية الآداب وجدة، العدد الأول 1990، ص 37.
25- محمد أسليم ، حول مفهوم الأشكال "ما قبل المسرحية" ، موقع محمد أسليم، WWW.aslim.net http:// ، صفحة دراسات.
26- د.حسن المنيعي،النص المسرحي المغربي بين الكتابة الدرامية والإنجاز الركحي، موقع الدكتور:http://www.hassanAlmniai ، صفحة دراسات.
28- عبدالحق الزروالي، حوار مع جريدة الأحداث المغربية، صفحة فنون،أجرى الحوار روشدي التهامي، عن موقع الجريدة
29- عبدالحق الزروالي ، أمارس المسرح كي لا أصاب بالجنون، مجلة شؤون ثقافية،العدد4، أكتوبر 95، السنة الأولى ، وارة الشؤون الثقافية، ص 11.
30- د.سعيد علوش ، معجم المصطلحات الأدبية ، ص 144
31- أحمد بلخيري ، المصطلح المسرحي عند العرب، ص 193.
32- نفسه، ص 188.
33- عبدالكريم برشيد، الكتابة بالحبر المغربي في كتابات الدكتور عبدالرحمان بن زيدان،مطبعة رانو الدار البيضاء، ط 1، 2003، ص 88.
34- د. مصطفى رمضاني ، الحركة التجريبية في المسرح المغربي المعاصر، م.س.ص28
 
نقلا عن (مجلة أقلام الثقافية)

 
جميع المقالات والأراء التي تنشر في هذا الموقع تعبر عن رأي أصحابها فقط، ولا تعبر بالضرورة عن رأي إدارة الموقع >>>> ليبيا المستقبل منبر حر لكل من يطمح ويسعى لغد أفضل لليبيا الحبيبة