الأربعاء، 6 مارس 2013


ضياع الدفة في البحث عن القفة
عبد الواحد عرجوني

أيها السادة ، يا ذوي القلوب الرحيمة ، أناشدكم أنا الجاهل بدروب هذه المدينة،الغريب في حمى القبيلة،الهارب من لفح السياط،الطالب النجدة من لهيب اللغط والعياط.دلوني على قاضي القضاة، أحمد بن فتح المليلي عله مما حل بي ينجيني.
سألت الكبار فوجدتهم يتأسفون عن الماضي رغم الجوع والعرى، ويبكون القناعة والعفة والشهامة، ويندبون الذل والمهانة. سألت الشباب فألفيتهم يحفظون من أسماء المغنين والمغنيات،وأسماء اللاعبين في الدوري الإسباني أكثر مما يعرفون عن زملائهم في صفوف الدراسة.سألت النساء فوجدتهن ، في حرب ضروس حول ما جد في السوق من موضات المراهم والمساحيق، وأسواق النخاسة، وجدال حول مأدبة "القضية".سألت سادتي الفقهاء فقالوا: هذه بدعة وضلالة ،وعليك بتفسير الجلالين لسورة "الطلاق".سألت المتسولين فأرشدوني الى خربة ،وقالوا هذا بيت مال المسلمين،قد بيعت لبناته وأعمدته.أوضحت لهم أني لست طالب زكاة ،فأشاحوا عني وانصرفوا يتصايحون فيما جد في بورصة العملات. فانتكس خاطري انتكاس علم في مأتـم،وانخفضت معنويات عزيمتي انخفاض الدرهم، فانزويت في زقاق تضللني سحب من الهم والغم. تذكرت غربتي ،وحن بي الحنين الى أهلي وأسرتي، وعيالي، فبكيت تفرقهم،وندبت ابتعادهم عني وابتعادي عنهم،ولمت نفسي لوما شديدا،وأشبعتها تقريعا على تفريطي في القيام على حقوقهم.وفيما أنا شارد، يا سادة ياكرام، في مقارعة عاتيات المطارق، ومهادنة عاصفات المشانق،ومكابدة كل مؤرقة،ومعاندة كل مفرقة،إذ بالأرض تنشق عن أشعث على هيئة إبريق،يهرول نحوي هرولة بطريق،شعره شديد السواد، يجر خلفه حمارا أذناه أذنا جواد، خلته محملا بالدقيق والزاد. تأملني المخلوق العجيب،وتمتم: وجدتك يا حبيب،أنت السائل وأنا المجيب.حدثني عن بغيتك،عن ابنك وعن زوجتك. وقبل أن أتفوه ببنت شفة،أشار إلى حماره الذي استوى جالسا على مؤخرته ،وأنزل من على بردعته قفة.قال أنت ملك مملوك ، وأسد منهوك ، ثارت عليه رعيته، وأفتى فقهاء السلطنة بإهراق دمه، وزير دفاعك انقلب عليك، الابن الأكبر ذو الشهادة العالية ألب عليك القلوب،وحرض عليك الصغار في الدروب. هلا حدثتني عما يلزم لجامك،لعل الكربة تنفرج عن صدرك ولسانك.قلت: نعم سيدي ومولاي،زوجتي انشغلت بتحليل ومناقشة الخطة،وكونت في الدرب جمعيات مع وضد الحريم ،وطالبت بالزيادة في المهر والعدة، ونظمت مسيرات موالية، وأخرى مناهضة؛ للطبخ والتصبين،وطالبتني بالنصاب في المرافقة والتزيين،والتناوب في التسيير،وانقلاب الأوضاع في السرير.أما الأبناء يا مولانا، فقد خربشوا كل الجدران،واتهموني بالعدوان،والميز والعنف الجسدي والمعنوي، والتخلف عن الركب في الميدان،وأغرقوا البيت بقصاصات معاهدات ومواثيق تؤكد حقوقهم علي تامة بدون نقصان،وأنا عبد ضعيف لا يجد مثقال ذرة يفديه،وفاقد الشيء لا يعطيه.أما أكبرهم ذلك الكسيح المعتوه،الذي شقيت من أجل إتمام دراسته،والتفوق على أقرانه،فقد صار منظر الجمهورية الفتية،بحيث دعا إلى تكوين حكومة انتقالية ، لتهييء البيت لانتخابات نزيهة،بحضور مراقبين دوليين في الشؤون العائلية. وبعد أيام، ستنطلق الحملة، وقد كان العش قبل شهر،ينعم في طمأنينة ظننتها ستدوم أكثر من دهر، وها أنا أشهد، ياصاحب السعادة والمهابة، ما لم أكن أحسبني سأشهده،من فتنة عظيمة،وبلية مستديمة،وقد بدأت قبل الأوان،فالذي قبل أيام ختنته،كون عدة أحزاب ،ولكل حزب، نسل وعيال؛ من نقابات وجمعيات يكل اللسان عن عدها. والذي قبل عام فطمته،التجأ إلى عدو عتيد، وجار منافس عنيد،لطلب العون والمشورة، في تكوين أحزاب ونقابات حسب الموضة.لذا خرجت هائما على وجهي أبغي لقاء قاضي قضاة مليلة.
قهقه الرجل وتغيرت سحنته،وقعقع الحمار وأسقط بردعته،وصاح بي الغريب: أتعرف الفتح يا معدوم الكشح؟هززت رأسي نفيا لعجز اللسان، وبذلت جهدا لزلزلة الجنان.حرك حاجبيه،وحسر العباءة عن ساعديه، فانفكت عقدة أحد الأكبرين،وصحت صيحتين: أنت أحمد أنت أحمد بن الفتح. ربت على كتفي ، وهدأ من روعي، وأخرج من جرابه قطعة زليج بلدي،وقال بتحسر: هذا ما أهدتني إياه قبيلتك،وتحسر أكثر وهو يشير إلى القفة قائلا: هنا حل قضيتك ، هنا الداء، وهنا الدواء.قام بخطى وئيدة،ربط القفة إلى ذيل الحمار،ولكزه لكزة بمسمار،جعلته يثير النقع والغبار،وصاح في وجهي: "اِلحقه" .
انطلقت انطلاق السهم،بعد أن تخلصت من كل ثقيل؛ من عمامة وجلباب ونعل. لكن الحمار كان أسرع،فاختفى في رمشة عين. ومن يومها وأنا أجري في جميع الاتجاهات ، علي أعثر على القفة الهاربة، وأسأل المارة والسابلة، الصغار والكبار،الرجال والنساء. لذا أوجه ندائي إلى كل من صادف حمارا بذيله قفة عالقة ،أن يتصل بأقرب مركز قروي أو حضري،أو مقر حزبي أو نقابي أو جمعوي،والله لا يضيع أجر المحسنين

هناك 5 تعليقات:

  1. السلام عليكم
    وقع خطإ مطبعي أيها الفاضل؛
    ليس هو من (مليلة) المغربية، بل هو من (ميلة) بالشرق الجزائري. وهو صنو المحدث الشاعر بكر بن حماد التيهرتي.
    وفقك الله لكل خير
    أخوكم:
    د. جمال بن عمار الأحمر الجزائري السجلماسي الأندلسي

    ردحذف
    الردود
    1. أو ربما هو:
      (أحمد بن فتح؛ ابن الخزار التاهرتى). أديب شاعر من أهل تاهرت. رحل إلى البصرة المغربية ومدح آبا العيش عيسى بن إبراهيم ابن القاسم بن إدريس بقصيدة ذكر ياقوت في "معجم البلدان" المراكشي أبياتا منها في وصف نساء البصرة اللائى اختصصن "بالجمال الفائق" .
      ***وقد يكون هو الشخص نفسه..
      يُراجع: سلميان الباروني، الأزهار الرياضية في أئمة وملوك الاباضية، ج 2، ص 77.

      حذف
  2. شكرا لك أخي الأستاذ الدكتور جمال بن عمار واللهم زدني علما.

    ردحذف
  3. جميل أيها المقاماتي منذ أروقة "القاضي عياض"..لا جفّ يراعك صديقي عبد الواحد..تحياتي وتقديري بلا ضفاف

    ردحذف
  4. شكرا لك أيها اللامع أخي عبد الكريم مع تحياتي. متمنياتي لك بدوام الصحة والهناء

    ردحذف