الخميس، 5 ديسمبر 2013

الخزانات بالمغرب: المكتبة المغربية وذخائرها -2- دعوة الحق 32 العدد 3- وقرأت للذين كتبوا عن الحركة العلمية والنهضة الفكرية بالمغرب في عصوره الزاهية –أن المغاربة – وان ساهموا بالتأليف في مختلف العلوم، فإنهم لم يكتبوا في البلاغة والبيان، ولم يقتحم ولو واحد منهم هذا الميدان، فسجلوها قاعدة كلية، وحسبوه عقما طبيعيا، وخلقوا لذلك أسبابا وعللا، وحجتهم في ذلك ما يقول ابن اخلدون في الفصل السادس ن المقدمة، في حديثه عن علم البيان، في جملة أصناف علوم اللسان، قال (وبالجملة فالمشارقة في هذا الفن (علم البيان) أقوم من المغربة وسببه والله اعلم انه كما سبق في العلوم اللسانية، والصنائع الكمالية توجد في العمران، والمشرق أوفر عمرنا من المغرب، أو نقول لعناية العجم، وهم معظم أهل المشرق وإنما اختص أهل المغرب من أصنافه بعلم البديع خاصة أهل المغرب من أصنافه بعلم البديع خاصة وجعلوه من جملة علوم الأدب الشعرية...وإنما حملهم على ذلك الولوع بتزيين الألفاظ وأن علم البديع سهل المأخذ، وصعبت عليهم مئاخذ البلاغة والبيان، لدقة أنظارهما، وغموض معانيها فتجافوا عنهما) هذا لفظ ابن خلدون في المقدمة وهو كما ترى يزعم بان أهل المغرب تجافوا عن البلاغة والبيان، لدقة أنظارها، وغموض معانيهما،وأنظر كيف يصح هذا التعليل؟ وكثير من أهل المغرب أمثال ابن البناء، وابن المسفر، والروداني، عنوا بما هو أدق من البلاغة والبيان، من منطق وفلسفة ورياضة وفلك وما إليها، وابن خلدون نفسه وهو مغربي طبعا كيف عالج المسائل الدقيقة، والمعاني الغامضة، فخلق فلسفة التاريخ، وأسس علم الاجتماع، وهما من الغموض والدقة بمكان على ان المكتبة المغربية وهي أم التاريخ، قد أثبتت عكس ما قال، فان فيها كتابات عن البلاغة لمؤلفين مغارة، ويمكن القول بان ابن خلدون كمؤرخ يسجل ما يرى ويدون ما يسمع، وقد يتفق أن لا يطلع على ما كتبه المغربة في البلاغة والبيان لقتله، فيحاول ان يعلل هذه الظاهرة، ويخلق لها الأسباب العلل، قد يكون ذلك ى.ولا ندري كيف اغفل ابن خلدون في حديثه عن البلاغة وتاريخها،أمام البلاغة ومؤسسها عبد القاهر الجرجاني/(471) وقد عرض للذين كتبوا في هذا الفن، فذكر جعفر بن يحيى، والجاحظ، وقدامة ثم السكاكي الذي قال عنه انه محض زبدته وهذب مسائله،) .ولنرجع إلى المكتبة المغربية في البلاغة والبيان، وليكن الكتاب الذي نقدمه كبرهان على ذلك، أو كنموذج حي لتلك المؤلفات، هو ( كتاب المنزع البديع في تجنيس أساليب البديع)- لأبي محمد الأنصاري السجلماسي، الذي عاش أواخر القرن السابع، وأوائل الثامن الهجري، وهو طبعا قبل ابن خلدون (808هـ) وقد وقفت على نسخة منه (مخطوطة)، بمكتبة الجامع الكبير بتطوان، كتبها أحد تلامذة المؤلف بفاس، وعنوان الكتاب ربما أوهم القارئ بأنه موضوع في علم البديع لا في البلاغة والبيان، لان المؤلف أطلق البديع على ما يشمل البلاغة والبيان، وهو اصطلاح قديم، وهذا ليس تأويلا منا، بل هو ما يقوله المؤلف في مقدمة الكتاب قال مبينا الغرض منه:" أن هذه الصناعة الملقبة بعلم البيان، وصنعة البلاغة والبديع، مشتملة على عشرة أجناس، وه : الإيجاز، والتخيل، والإشارة، والمبالغة،...) والكتاب قد تناول مسائل مهمة في البلاغة، واعتمد على كثير من أصحاب هذا الفن، كالجاحظ وجعفر بن يحيى قدامة والباقلاني والجرحاني والرماني والامدي والحاتمي وابن رشيق... وقد ينتقد احد هؤلاء ويناقشه مناقشة الند للند، وهو الى ذلك يتصل بالفلاسفة، ويحلل أرائهم، فتراه ينقل عن أرسطو في كتابيه "الخطابة"والشعر"، وعن أفلاطون ولاسكندر والفارابي وابن سينا ومن إليهم. وطريقته انه بعد ان يقرر قاعدة من قواعد البلاغة، أو مسألة من مسائل البيان والبديع، يورد في موضوع القاعدة، أمثلة من كلام العرب الفصيح، ومجموعة من أشعار القدامى والمحدثين، وفي جملة من يستشهد بشعرهم أبن حمديس وابن هانيء وابن زيدون وابن خفاجة وأبو الصلت أمية بن عبد العزيز صاحب الحديقة (529هـ) ومن إليهم من شعراء الأندلس والمغرب،وهو مظهر من مظاهر المؤلفات المغربية، فالكتاب قد حاول أن يدرس البلاغة في أصولها، ويأخذها من مناهلها، وحاول أن يجعلنا نقرأ صور البيان، وأساليب البديع، في جو أدبي ممتع، ولكنه في تقريره للقواعد، وشرحه للمسائل، كثيرا ما تطغى عليه النزعة الفلسفية، والصناعة المنطقية، فيجف قلمه و يستعصى أسلوبه، وعلى الجملة فهذا الكتاب سلسلة جديدة، وحلقة من حلقات البلاغة العربية، يجب أن تخرج إلى عالم النور، ويتعرف إليها الباحث والدارس والكاتب. 4- ولاحظت أن اللذين ترجموا للسلطان المولى سليمان العلوي(1238) وتحدثوا عن تاريخ حياته، لم يعرجوا على ناحية مهمة من حياته، وهي الناحية الأدبية، فهو فوق ما كان يغدق به على الأدباء والشعراء، من هبات وصلات، كانت له روح، تلك الأريحية، ذكروا أن منشدا انشد بمحضره ليلة المولد النبوي هذين البيتين: له همم لا منتهى لكبارها وهمته الصغرى اجل من الدهر له راحة لو أن معشار جودها على البركان البر أندى من البحر وقد نسبها المنشد لحسان، وقال انه يمدح بهما الرسول عليه السلام، فأنكر عليه المولى سليمان، ونهاه أن يعود إلى إنشادهما، وقال أن البيتين ليسا لحسان، وأنهما بعيدان كل البعد عن روحه، ولا يتناسبان ومقام النبوة، وكتب في ذلك رسالة حلل فيها البيتين، وزيف المعنى الذي تضمناه، وانتقدهما سواء من الواجهة اللغوية، أو الناحية البلاغية، ونقل خلاصة هذه الرسالة ابن طاهر الهواري، (1220هـ) في توليف له، أيد فيه رأي المولى سليمان، وأكد بأن البيتين لبكر بن النطاح، لا لحسان، وقال إن المبرد نسب البيتين في كامله لابن النطاح، وكذلك ابن مرزوق في بعض شروحه على التلخيص، وقد رجعت إلى ترجمة ابن النطاح في الأغاني، فألفيته ذكر البيت الآني من البيتين، في جملة أبيات نسبها لابن النطاح، وقال انه يمدح بها أبا دلف، وتصفحن ديوان حسان الذي نشره البرقوقي الذي حقق هذا الديوان، نسب البيتين في شرحه على التخليص لحسان. 5- وحتى في الطب فان في المكتبة المغربية مؤلفات ومؤلفات، لعلماء مغاربة، وأندلسيين، فقد وقفت – وأنا أنقب في بعض زوايا المخطوطات، من المكتبة العامة بتطوان،- على شرح الفية ابن سينا في الطب الموسوم"بالإيضاح والتتميم" لمؤلفه ابن مهنا، أحد الأطباء المشهورين، الذي تلمذ لابن الخطيب، ونقل عنه آراءه وتجاربه، ويقول في مقدمة الكتاب، انه اعتمد في هذا الشرح على كثر من أشياخه بسجلماسة، كأبي العباس الغماري، وجماعة آخرين ذكرهم، وقد أطرى المقري هذا الشرح وقال أنه من أبدع الشروح، في هذا الفن، وزاد يقول: وهو من الكتب المشهورة بالمغرب، ولم أراه بهذه الديار المشرقية، (النفح ج 10 ص142) و من حسن حظ الباحث أنه توجد عدة نسخ لهذا الشرح، في المكتبات المغربية، فلو أننا وجدنا الباحث المختص في هذا الفن وقدم لنا دراسات وأبحاثا عن هذا الكتاب وأمثاله، لاستطعنا أن نعرف الصورة الحقيقية، التي كان عليها الطب في مدارسنا التاريخية. 6- والى جانب ما في المكتبة المغربية من كتب المحفوظات، فان فيها الشيء الكثير، من التحف النادرة، و الإعلاق النفسية، والوثائق التاريخية لمهمة...فقد زرت مرة مكتبة الجامع الكبير بتطوان، وكانت حافلة بالذخائر العربية، حتى عادت عليها عوادي الزمان، أيام احتلال الاسبان، زرت هذه المكتبة التاريخية، وهي أحوج ما تكون إلى الإصلاح والترميم، وشيء من العناية والتنظيم، فكان مما وقفت عليه مصحف كريم، يرجع تاريخه إلى منتصف القرن السادس الهجري، وقد دارت الأيام، فعشت مع هذا المصحف سنين وأعواما، استطعت من خلالها أن أعرف شيئا عن حياته، وتاريخ نشأته، فقد ولد ونشأ بمدينة بلنسية في الأندلس سنة تسع وخمسين وتسع مائة هجرية، وبعد أن شب وترعرع، رحل إلى المغرب حوالي القرن الثامن الهجري، ثم طوف بالشرق العربي، وانتهى به المطاف إلى البقاع المقدسة، حيث جاور في الروضة الشريفة، تجاه الكعبة المكرمة سنين طوالا، ثم قفل راجعا إلى المغرب، وهناك وفي حدود العقد الثامن، من المائة الثامنة نزل بتلمسان، وأقام بالجامع الكبير، حيث مقابر الملوك التلمسانيين، إلى ما بعد القرن العاشر، وفي أواخر القرن الحادي عشر، هاجر من تلمسان إلى مدينة تطوان، حيث هو الآن هاجر من تلمسان إلى مدينة تطوان، حيث هو الآن. وهذا المصحف الذي حدثتك عنه، هو مصحف ابن مزوق(781هـ)، الذي قال عنه المقري في النفح ج7ص335- أنه رآه بتلمسان عند بعض أحفاد ابن مرزوق، قال وعليه خطه الرائق الذي أعرفه، وهو (أي ابن مرزوق) يقول :قرأت في هذا المصحف تجاه الكعبة المشرفة أثنى عشر ألف ختمه). قال المقري: ومع هذا فقد نسي في المصحف المذكور لفظة (إليك) من قوله تعالى (ينقلب إليك البصر) – يعني من سورة الملك حتى كتبها بخطه فوق السطر حفيده أبو عبد الله محمد ابن مرزوق(842هـ).وهذه العلامات، التي ذكرها المقري، لا تزال كما هي بادية للعيان، فالكلمات التي كتبها ابن مرزوق بخطه،تسجيلا للتاريخ، والتي تعتبر كعنوان لهذا المصحف توجد كلمة (إليك) التي ألحقها ابن مرزوق الحفيد، فوق آخر السطر السادس عشر، على يسار القارئ ص303، وكلمات هذا السطر على وجه الضبط إحدى عشرة كلمة؛ فهذا المصحف وأمثاله في نظري من التحف النفسية، والآثار التاريخية المقدسة، التي يجب أن تحاط بسياج من الصون والتقدير،لأنها ترمز إلى مقومتنا الدينية، وأثارنا الروحية. وأرجوا أن تتاح لي فرصة للحديث عن وثائقنا التاريخية التي شغلت ركنا كبيرا في مكتباتنا، والتي كان يجب أن نأتي لها بمثال أيضا. هذه بعض أمثلة قد تكون بسيطة، لأنها نتيجة جولة قصيرة في بعض مكتباتنا الصغيرة، وفي دائرة خاصة، أوردتها لا لتثبيت حقيقة أو لتدعم رأيا، وإنما سقتها لتدل من قريب أو بعيد، على ما في المكتبة المغربية الكبيرة، من كنوز وذخائر، لها قيمتها ووزنها ولها أثرها الفعال، في وعينا القومي، ونشاطنا الفكري، فهي تربط بين ماضينا وحاضرنا، وقريبنا وبعيدنا، وهي اللبنة الأولى، والأساس الذي يجب أن نبني عليه صرح نهضتنا، وتاريخنا الفكري والأدبي، وهي المرآة التي تنعكس عليها صورة المغرب الحقة. وهنا يجب نتسأل، ومن حقنا أن نتسأل، لم لا تكون هناك هيئة، أو مؤسسة، تقوم على نشر وإحياء تراثنا الفري، أو بالأحرى على انتشاله من الضياع؟ أننا نرى في الشرق العربي جهودا موفقة، تبذل في هذا المضمار، تشترك فيها الجامعات، ودور النشر، وعدة هيئات وطنية؛ وان نمن البوادر الحسنة في هذا السبيل، انشاء معهد المخطوطات للجامعة العربية. وكم كنا نود أن تتبنى هذا المشروع الهام، جامعتنا الفتية، وإدارة التعليم العالي، والبحث العلمي، حقق الله الآمال، ووفقنا جميعا لصالح الأعمال. وقع خطأ مطبعي مهم في القسم الأول هذا البحث المنشور في العدد السابق فالرجاء من حضرة القارئ أصلحه كما يلي: 1. للشاعر المغربي مالك بن المرحل: طاف الخيال بوادينا فما زارا إلا وواقع سرب النوم قد طارا 2. " كتاب روضة الأنس ونزهة النفس".


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق